ومما عُرف عن العرب والمسلمين براعتهم في تأليف كتب التراجم وسير الأعلام منذ القرن الهجري الثاني تقريباً، وعرفت المكتبة العربية كتباً مهمة في هذا المجال بقيت خالدة على مر العصور شملت كافة أبواب المعرفة وتصنيفاتها مثل الحديث، والفقه، والأدب، واعتمدوا لها ركائز منهجية للعمل فمنها ما اعتمد على التخصصات العلمية، ومنها ما اعتمد على الحروف كمداخل، وصنفٌ آخر اعتمد الوفيات، أو البلدان والعصور أحياناً، وفئة منها اعتمدت على المذاهب وتقسيماتها، وبعض التراجم يتناول أشخاصاً دون سواهم.
التراجم القديمة قاد مشاريعها أفراد، ومثلها مؤلفات شهيرة فردية يحار الباحث والقارئ أمامها فمثلها تعجز عنه المؤسسات الثقافية الكبرى اليوم، وقد مضى عهد المبادرات العريقة الراسخة وأتى زمن الاستعجال و»السلق» أحياناً، إن صح التعبير، وغابت المعايير والدقة، وساد مبدأ الفزعة، وينقل البعض خطواته كخبط عشواء ريثما يتحقق له «نصر معرفي»، أو يحوز «قصب سبق» في مجال التراجم وكتب الأعلام، رغم إيمان الكثيرين بأن هذا الفن لن يتحقق اليوم بجهد فردي فهو عمل مؤسسي احترافي يستند إلى قواعد بيانات، ومراكز معلومات، وجهات علمية، وأرشيفات، وشهادات فردية، ونثار موزع بين الوسائل الإعلامية بكافة أنواعها، ويصعب على شخص واحد تدارك كل هذه الزوايا والإحاطة بها واستخلاص سير الأعلام منها.
هنا في الساحة الثقافية المحلية الحديثة صدرت كتب كثيرة ترصد سير الأعلام في المحاماة، والقضاء، والطب، وشهيرات النساء، والشخصيات العامة. وفي مجال الأدب صدرت عدة موسوعات أهمها «أعلام الحجاز» للأديب المؤرّخ محمد علي مغربي، و»موسوعة الأدباء والكتاب» لأحمد سعيد بن سلم، و «دليل الأدباء في دول مجلس التعاون الخليجي» أعدته دار المفردات في الرياض، و»قاموس الأدب والأدباء في المملكة» من إصدارات دارة الملك عبد العزيز في الرياض. ومن يتأمل ويراجع هذه الإصدارات يجدها مبهمة المعايير ناقصة المعلومات، وقد أهمل القائمون عليها أسماء كثيرة دون مبررات تذكر، وهذا ثمن الاستعجال أو عدم اللجوء إلى المصادر الأصلية وغياب الرغبة في تكبد عناء البحث عن المعلومات والاكتفاء بالجاهز منها، أو الاستنساخ من مشاريع سابقة مع زيادات طفيفة تفتقر إلى الشمولية في زمن أصبح الحصول على المعلومة سهلاً ومراكز المعلومات تتيح كثيراً من محتواها على الخط المباشر، والأعلام أنفسهم يمتلكون نوافذ عبر مواقع التواصل الاجتماعي يمكن الرجوع إليهم لتغدو المحتويات أكثر دقة ونأياً عن الاجتهادات الفردية أو التشويه.
والذين لا يمتلكون مهارات كهذه عليهم أن يتركوا هذه المشاريع الكبرى للمؤسسات القادرة عليها، فمثلاً انجاز الببليوجرافيات أداه أفراد فكانت خدماتهم جليلة ومهمة لكنني أرى أنها من أدوار المكتبة الوطنية التي تمتلك القوائم الأصلية في هذا المجال، وهي فعلت ذلك، ومن أراد أداء شيئاً من أدوارها لا يجدر به أن يعمل مستقلاً مهملاً بنكها المعلوماتي الضخم ولا أظنها تبخل على من يلجأ إليها.
وهي أيضاً تمتلك أسماء المؤلفين في كل المجالات ومن أصدر كتاباً داخل المملكة، وليس من حق باحث في مجال السير والأعلام أن يكون كسولاً وهو يقود أحد مشاريعه ثم يتهم المؤلفين والأدباء السعوديين بالكسل لأنهم لم يسعوا إليه يزودونه بسيرهم الذاتية ليجمعها في كتاب أسماه «معجم الأدباء السعوديين» فالباحث الجاد لا ينام على كرسي وثير منتظراً مطر الأصدقاء وفزعاتهم، وتهديد من لم يتواصل معه بالإقصاء من المعجم بعد أن وصفهم بـ»الغرور والصلف»!!
أظن الأفضل للأدباء والكتاب والفنانين التشكيليين التفرغ لإبداعهم وترك هذه المشاريع للمؤسسات المختصة فليس محموداً تقديم معاجم ناقصة، أو تخدم هوى شخصياً، أو «تصفّي حسابات» أو تجعل الكسل و»الخمول البحثي» أهم معاييرها وأقصى مبادراتها.
- محمد المنقري