محمد حطيني
الزيارات المتكررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو في الأشهر الأخيرة إلى موسكو، حتى وصل عددها إلى أربع خلال فترة لم تتعد من الأشهر عشرا، بالرغم من عدم وجود تحالف إستراتيجي بين البلدين، كما هو الحال فيما بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال. يطرح أكثر من سؤال لماذا موسكو وليس واشنطن؟ الواقع يقول إن ثمة تشابك في العلاقات الروسية الإسرائيلية في أكثر من ملف في الشرق الأوسط، ابتداء من القضية الفلسطينية، ومرورا بالعلاقات الثنائية بين الدولتين، إضافة إلى الملف السوري الساخن الذي يتطلب التنسيق بين الدولتين بشأنه وهو أمر واضح كل الوضوح، إلا أنه ينبغي أن نتساءل إن كان ثمة شيء خفي تعمل من أجله الحكومة الإسرائيلية للحصول على رضا موسكو ومباركتها.
مما لا يخفى أن الكيان الإسرائيلي سيظل يساوره القلق مما يجري في سوريا، وعلى الأخص مع وجود قوات روسية، وداعش، والمعارضة السورية، وحزب الله ودولة الملالي الإيرانية. ومما يتوخاه نتانياهو من الروس كمتطلب أساسي هو الإبقاء على الجانب الحدودي على هضبة الجولان المحتلة هادئا، كما كان عهده مع النظام الحالي، وسلفه، بمعنى عدم فتح جبهة الجولان ضد الكيان من قبل أي من القوى المتواجدة على الأرض السورية، وتأمين سلامة الكيان الإسرائيلي.
وعلى ما يبدو أن نتانياهو مطلع على تفاصيل ما يدور في سوريا، ما جعله يعمل على الوصول إلى تفاهم دائم يجنبه أي نوع من سوء الفهم مع الروس في سوريا، الذين يعتبرون هذه الأخيرة، المنطقة الأكثر أهمية في المنطقة بالنسبة لهم بعيد تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، ووجود رغبة أمريكية بعدم مواجهة تدخل الروس في سوريا والاصطدام بهم، ما يعد موافقة ضمنية منهم على ما يقوم به الروس هناك، واضمحلال الدور الروسي فيما تلى تفكك الاتحاد السوفياتي وتولي بوريس يلتسين لزمام السلطة هناك، وتلاشي تأثير الدولة الروسية بصفتها أكبر الدول المنضوية تحت مظلة الاتحاد، كدولة كبرى لها رأيها ووزنها في الشئون الدولية ككل، ومحاولات الرئيس بوتين إعادة هيبة ونفوذ الدولة في العالم، كما كان أيام الاتحاد السوفياتي، وهو ما سجل نجاحا في أكثر من منطقة في العالم، وحول روسيا إلى دولة لها وجودها المادي والعسكري على الأرض السورية ليس بصفتها إحدى دول العالم الكبرى التي تتحكم بمفاصل الأمن فيه من خلال مجلس الأمن الدولي، وإنما بصفتها دولة تبحث عن مصالحها التي تجعل من القانون الدولي تشريعا غير ذا قيمة عند التحول عن أحكامه ومبادئه.
لا يريد نتانياهو الاصطدام مع الروس في سوريا، كما حصل في فترة من الفترات مع الأتراك الذي أسقطوا طائرة حربية روسية، وما زالوا يدفعون ثمن تصرفهم غاليا على مستوى العلاقات الثنائية الروسية التركية، تمثل في عقوبات اقتصادية متعددة الأغراض والأهداف فرضها الجانب الروسي بالرغم من أهميتها الاقتصادية لهم.
ولذلك فإن القول بأن نتانياهو يسعى إلى التوصل إلى تفاهمات دائمة تجنبه أية إشكاليات طارئة في الأجواء السورية التي تخترقها طائراتها يوميا هو ما يأتي في صميم ما تهدف له زياراته المتكررة لموسكو، لاسيما في ظل التردد الأمريكي في عدم الوصول إلى حل دائم للمعضلة السورية التي طال أمدها لأكثر من ست سنين بالرغم مما يطفو على السطح من تنسيق روسي أمريكي في ذلك الشأن.
إلا أن المسألة الأكثر أهمية والتي تأتي في ظل الوضع القائم في سوريا والتقسيم الواقع على الأرض ما بين قوى النظام، والمعارضة، وداعش، والنظام الفارسي والروسي، والتوقعات بعدم التوصل لحل في المستقبل القريب للمشكلة السورية، تتمثل في هضبة الجولان السورية، التي أعلنت إسرائيل مرارا أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها، وأنه لن يتم الانسحاب منها أو إعادتها إلى السيادة السورية، بالرغم من أنها أراض محتلة بموجب القانون الدولي.
هل يسعى نتانياهو إلى مطالبة موسكو بسلخ هضبة الجولان عن الأرض السورية وتأييدها في ذلك لاسيما في ظل الترتيبات التي تجرى على الأرض السورية، وما يتسرب من صياغة دستور سوري جديد يهدف فيما يهدف إليه إلى تحويل الدولة السورية إلى نظام فيدرالي فضفاض؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة، ولا ندري إن جانبنا الصواب في ذلك.