إعداد - عبدالمحسن المطيري:
في 1922م كانت الأفلام الأمريكية تحت سيطرة ما يسمى بالكود، وهو نظام رقابي صارم لا يسمح ببعض المحتويات والمضامين أن تعرض في الأفلام، مثل التعري، والتعرض للأديان، والعديد من الممنوعات الأخرى، حيث بدأ عمل الكود من قبل الحكومة الفيدرالية بطلب من الأستديوهات الخمس الكبرى في هوليود، بعد إعلان المحكمة العليا بأن التعديل الأول في الدستور الأمريكي لا ينطبق على حرية التعبير في السينما الأمريكية، وبالتالي تحتاج السينما ليكون لديها نظام مراقبة للمحتوى المعروض للجمهور، حيث كانت الرقابة في أوجها خلال فترة الكساد الكبير خصوصاً عام 1930م.
ومع نهاية الخمسينات انهار النظام الرقابي تماماً، وتحولت الرقابة الحكومية إلى رقابة ذاتية من الشركات التي تتحكم في صالات السينما وصناعة الأفلام في الولايات المتحدة، من خلال الأستديوهات الخمس الكبرى في هوليود والتي تنتج وتسيطر على 500 فيلم سنويا.
بعد ذلك قررت أستديوهات الأفلام بشكل جماعي، أنه ينبغي أن تنتج للجمهور على نطاق واسع ولكن باتفاق ضمني حول ما يجب أن يعرض وما يجب أن لا يعرض، وتسيطر الشركات الكبرى ليس فقط في الإنتاج، بل التوزيع، العلاقات العامة، صالات السينما، النقابات وغيرها.. وبالتالي من السهل عليها الضغط على الكتاب أو المنتجين لتغيير المضمون في الأفلام أو الشكل – أيضا – إذ يسمى هذا العهد الجديد من الرقابة، الرقابة (التجارية) بدلاً من الحكومية، التي لم تعد تسيطر على الرقابة في السينما.
ويأتي أحد أبرز الأمثلة التي تعرضت لرقابة ذاتية من القطاع الخاص، هو فيلم مايكل مو الرأسمالية: قصة حب، يستعرض الفيلم الوثائقي النظام المالي في الولايات المتحدة وكيف كانت الرأسمالية الجديدة سبب رئيسي للأزمة المالية لعام م2008 في الولايات المتحدة، والفيلم يظهر القوة التي كانت تملكها البنوك الأمريكية، وكيف أنها كانت هي المسؤولة عن الأزمة المالية، وفي فيلمه، يظهر مايكل مور أن صانعي القرارات السياسية مرتبطين بالقوة المالية الأمريكية، إذ يستعرض الفيلم – أيضا- كيف خسر الناس في أمريكا منازلهم بسبب الديون المتراكمة من البنوك.
يظهر مايكل مور الكثير من الناس الذين لا مأوى لهم بعد أن أصبحوا ضحايا النظام المالي والذي جعل حياتهم صعبة، ويعتبر الفيلم من أفضل الأفلام الوثائقية التي تظهر على الجانب السيئ وغير المسموع من الرأسمالية الجديدة، حيث حصل الفيلم على بعض الانتقادات من النقاد مثل جورج ديسلفا الذي يقول عنه أنه «يركز على فقط على الجانب السلبي من النظام الرأسمالي الحر، أو كما كنا نعرفه اليوم الليبرالية الجديدة التي دعمت من قبل مارغريت تاتشر في المملكة المتحدة ورونالد ريغان في الولايات المتحدة، التي تمنع الحكومة من تشكيل السياسات الاقتصادية، وبالتالي تعطي السوق الحرية الكاملة لوضع القوانين لنفسها.
كما واجه الفيلم موجة غضب من الاستوديوهات في هوليود التي تتحكم وتملك السيطرة على توزيع الأفلام داخل أمريكا، وبحكم أن الفيلم يثير قضية مهمة بالنسبة للجمهور الأمريكي، الذي غالباً لا يعرف الكثير عن قوة القطاع الخاص، بالتالي عملت الشركات الكبرى أن يكون عرض الفيلم في الولايات المتحدة محدود على مستوى مدن محددة فقط، وبالتالي ممارسة جديدة للرقابة، ليست بشكل مباشر ولكن عن طريق قوة المال والعلاقات التي تتحكم بما يشاهده المواطن الأمريكي سواء في السينما أو من خلال القنوات الفضائية.