كان هناك احتفال كبير، وتجمع في ذلك المكان خلق كثير وكان يوجد بئر دونما جدران أو أسوار حوله، ولذلك سقط فيه رجل وصرخ بصوت مرتفع ولكن الصخب الناجم عن الاحتفال حال دون سماع الناس لاستغاثته، فقد كان الجمهور غفيراً والضجة والجلبة كبيرة، ولذلك لم يسمع صراخه أحد، وفي ذلك الوقت وصل إلى البئر رجل يدعى الرشد ليشرب، فنظر داخل البئر وشاهد الرجل يبكي ويصرخ ويستغيث قائلاً: أغيثوني أنقذوني.
فقال الرجل الذي يدعي الرشد: لا يمكن لأحد أن ينقذ أحداً، ولا تنتظر الخلاص، وعليك أن تدفع ثمن آثامك ولذلك تحمّل الأسى بصمت ولا تتذمر وإلا فإنك سترتكب آثاماً إضافية.
قال الرجل: أنقذني... أنقذني أولاً وسأستمع إلى موعظتك وأما الآن فيستحيل علي أن أسمع وأفهم منك أي شيء ولكن الرجل الذي يدعي الرشد تابع سيره قائلاً: ينبغي علينا أن لا نتدخل في ذنوب أي شخص وبعد ذلك جاء رجل آخر فنظر في البئر وشاهد الرجل الذي قال له أنقذني، إني أغرق ويبدو أنه لا يوجد أحد يصغي إلي.. إن سيدي على حق حين قال ينبغي أن يوضع لكل بئر جدار.
فقال له الرجل الذي يدّعي الرشد لا تقلق إننا سنقوم بهذه الحركة العظيمة وسنغيّر المجتمع بأكمله وسنرغم الحكومة على بناء أسوار حول جميع الآبار لا تقلق.
قال الرجل: ولكن حتى ذلك الوقت سأكون قد غرقت، المهم.. كيف يمكنك مساعدتي الآن؟ قال الرجل الذي يدعي الرشد: إن ذلك ليس مهماً.. إذ إن الفرد ليس مهماً... أنت تأتي وتذهب والمجتمع هو القضية الأساسية.. يمكنك أن تموت قرير العين، هادئ البال، إن ذلك (أي الموت غرقاً في البئر) لن يحدث لأي شخص آخر.
وعندئذ جاء رجل مؤمن ونظر إلى البئر، وحتى قبل أن يقول الرجل شيئاً، فتح حقيبته وأخرج دلواً وحبلاً وأخرج الرجل من البئر، وعندها قذف الرجل بنفسه عند قدمي الرجل الصالح وقال له: أنت وحدك فقط يمكن أن يعتبر رجلاً صالحاً تقياً.
قال الرجل الصالح: يصل الإنسان إلى رضا ربه بخدمته التي يقدّمها لأخيه الإنسان.. كن تقياً أولاً، وثانياً اسقط مرة تلو المرة في البئر... لأني لست التقي الوحيد، وعلّم أولادك أن يسقطوا في البئر أيضاً لكي تستطيع أن تأتي وتنقذهم وإن أكثر الأشياء بعداً عن الأخلاقية أن يعامل الفرد كوسيلة... إن جميع الكتب المقدسة قالت الحقيقة نفسها ولكن الأمر يعود لنا في تنفيذها والعيش معها... شارك الآخرين إذا كنت تستطيع، وساعدهم إذا كان ذلك بإمكانك، أعرف نفسك أي أنكر ذاتك وتخلص من أنانيتك.