إجازة من الدراسة تصل مدتها إلى نحو 120 يوماً هو أمر غير معتاد، ولكنه سعيد على كل حال بالنسبة لطلاب يدرسون على مضض ويتطلعون للإجازة منذ اليوم الأول للدراسة..! وهو أمر سعيد أيضاً بالنسبة لأساتذة تعبوا من الطلاب وتعبوا من مقررات مملة..!
أربعة شهور قد تكون بداية تغيير حقيقي وقد تكون صفحة فارغة في كتاب حياة بائسة وفقيرة. أمر الإجازة أيضاً قد يكون سعيداً لأسر وآباء وأمهات يبحثون عن أبناء يذهبون لدراستهم في الصباح ويسكنون الانترنت في المساء. الآن الفرصة سانحة للجميع وربما لن تتكرر مرة أخرى. السؤال المهم كيف يمكن أن نستفيد من هذه الإجازة وما هي المقترحات لشغلها بالمفيد..؟
هذه الإجازة يمكن أن تكون إجازة لمّ للشمل، إجازة لمشاعر أسرية دافئة، إجازة نقترب فيها من أبنائنا ونحفزهم على الاقتراب منا، فنحن نعيش معهم ويعيشون معنا ولا نعرفهم ولا يعرفونا، وبعدها نشكو منهم أو يشكونا هم للآخرين. ربما يكون في مكة والمدينة حلاً للأزمة وفتح قنوات تجري فيها مياه جديدة. هناك بعيداً عن الصخب والضجيج وفي أجواء إيمانية تكون الفرصة سانحة للنقاش والتذكر والتدبر والتوجيه والإنصات وفرصة لنفتك وأبنائنا من أسر حياة عصرية أخذت منا أكثر مما أعطتنا. وفي الأجازة الطويلة فرصة عظيمة لصلة الأرحام، فرصة لنتواصل ونتراحم مع عائلة كبيرة فقدناها في زحام الحياة.
حتى وطننا يمكن أن نكتشفه في هذا الإجازة، إذا كان معظمنا تعود أن يقضي إجازته خارج وطنه، ما الذي يمنع أن يكون في هذه الإجازة حق للوطن، مناطق سياحية كثيرة تستحق أن نزورها، وتراث عظيم يستحق أن نطلع عليه بفخر واعتزاز وتدبر، نعرف كيف عاش أجدادنا وكيف كانت حياتهم، نكتشف الطبيعة الجميلة في بلادنا، نعلم صغارنا عن وطنهم في وقت تحاصرهم في الثقافة الغربية من كل جانب، نعلمهم قيمة البساطة والتواضع ونكشف أمامهم زيف المدنية الحديثة وخطورة أن نندمج فيها دون ضوابط وقواعد، نحكي لهم عن تاريخ هذا الوطن وسير العظماء فيه والأحداث والمواقف التي شكلت ماضيه وحاضره.
وفي إجازة طويلة جداً فرصة سانحة لنكتشف أنفسنا ونعيد ترتيب حياتنا. اجازة تبدأ بشهر مبارك هي فرصة لمراجعة علاقتنا مع خالقنا، وفي أوقات الدراسة والعمل نسوق حجج واهية تشغلنا عن صلاة في مسجد أو صيام سنة أو قراءة وتعلم وتدبر قرآن عظيم. لو اجتهدنا ستعرف أقدامنا طريقها إلى المساجد وشهر رمضان سيدعمنا ويشجعنا؛ ولو اجتهدنا سيصبح القرآن رفيقنا ولن ترضى نفوسنا الابتعاد عنه بعد تذوق حلاوته. أعظم ما يمكن أن نخرج به في هذه الإجازة هو علاقة أكثر ايجابية وقرب من ديننا وعادات نغرس بذورها في وقت بارح ومتسع.
ستكون الإجازة مناسبة لمراجعة أنفسنا في طريقة عملنا ومستقبلنا الوظيفي والعلمي، قد تكون هذه الإجازة نقطة تحول في حياتنا المهنية إذا ما خصصنا وقتا بسيطا لمراجعة أدائنا وتنقيح عملنا والبحث عن مداخل للتجديد ينقذنا من براثن التقليدية والروتين، حتى علاقاتنا مع الآخرين في عملنا ربما تكون هناك فرصة لمراجعتها والعودة إلى العمل بشخصية مختلفة أو متطورة قادرة على التاثير في الآخرين وكسب مودتهم وتقديرهم، قد تكون القراءة والاطلاع في مجال تطوير الذات مفيداً للغاية في تحقيق هذا الهدف، فنون الاتصال والتواصل وبناء العلاقات والإيجابية والتعامل مع صراعات العمل والعمل الجماعي كلها محاور مؤثرة في العمل وتستحق من الاهتمام والتطوير. هناك أيضاً فرصة سانحة لتأمل نقاط ضعفنا والعمل على علاجها وهذا يستدعي حالة من المصداقية مع النفس واسترجاع لمواقف وأحداث كشفت فينا مواطن ضعف سواء في أداء عملنا أو في تعاملنا مع الآخرين. قد تكون هناك تصورات أخرى لقضاء اجازة طويلة في الغالب لن تتكرر، الأمر الذي لا نتمناه أن تتسرب أربعة شهور من حياتنا ونحن كما نحن عدنا كما ذهبنا.