حفلات التخرج والتي بدأنا نراها تقام لمن هم في رياض الأطفال وحتى الدراسات العليا لا شك منطلقها جميل وهي من باب شكر النعمة، فإظهار الفرح بنعمة الله قد حث عليه ديننا وفق ضابط مهم ألا وهو ألا يترتب عليه معصية.
من خلال الواقع الذي يراه الجميع دخلت هذه الحفلات لدى البعض في المباهاة وشيء من المخالفات الشرعية، حيث وصلت إلى قاعات الفنادق الفخمة بل هي إلى حفلات الزواج أقرب، وهي موسم للمختصين بتجهيز الحفلات لذا يسعون عبر كل الوسائل للترويج بما لديهم من جديد ومبتكر في عالم التعبير عن الأفراح من ديكورات وإضاءات وزهور وأهازيج و(شيلات) خاصة بالمحتفى به وموائد فيها من كل الأصناف، وفي رأيي ألاّ لوم على متعهدي تلك الحفلات فهم طلاب ربح، لكن اللوم يقع على من ينفق الأموال الطائلة جدا على هذه الحفلات التي ليس هنا محل إنفاقها، ومن المعلوم أنَّ المرء سيُسأل عن ماله فيما أنفقه، وَمِمَّا لا خلاف فيه أيضاً أنَّ التباهي والخيلاء داء لا يأتي أبداً بخير، وصاحبه مذموم ويكفي أن الله قال {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} وهذه الحفلات في غالبها فخر وخُيلاء.
ومادمنا في مجال الحديث عن الإنفاق على هذه الحفلات ثمة إنفاق آخر من قبل المدعوّين، حيث يضطر الواحد منهم من باب المجاملة أن يقدم هدية للمحتفى به وهذا باب يفتح المباهاة والتنافس أيضاً على مصراعيه فكلٌّ يجتهد لتكون هديته هي الأفضل والمبهرة للجميع، مما يكلف الآخرين ويثقل عليهم.
ومن الآثار السلبية من الجانب النفسي لتلك الحفلات خاصة على خريجي المراحل ما دون الجامعية أنها تعطي للإنجاز الذي حققه المحتفى به قدراً عظيماً أكبر من حقيقته مما يجعل النشء يتطلع مهما قُدِّم له من ألوان الفرح إلى فرح أكبر من فرح نجاحه الماضي وهكذا إلى ما لا نهاية وهذا مخالف للحكمة التي لا نختلف جميعاً إنها وضع الشيء في موضعه.
لا أقول هنا لا تفرحوا بل افرحوا ببساطة كما كان فرحنا بهذه المناسبة في السنوات القريبة الماضية لأن الفرح كان لدينا في ذلك الزمن الجميل فرح معنوي، فقد كنّا نرى الجماليات بأرواحنا لا بأعيننا، لذا افرحوا ولكن اقتصدوا في مصاريف هذه الحفلات وأقيموا حفلات تخرجكم بعفوية وبساطة وما توفرونه حينها من مال. كم هو جميل أن تنفقوه لفقراء معوزين لا أقول هناك بل تحسسوهم وستجدونهم حولكم.
نحن في زمن التقنية ومظاهر البذخ في تلك الحفلات تصل عبر وسائل التواصل للفقراء فتؤذيهم وهذا الأذى يأتي من جانب الفقير المتخرِّج الذي يتمنى تلك الفخامة لحفل تخرجه ومن جانب ولي أمره الذي لا يجد مالاً لإقامة حفل تخرج لابنه أو ابنته.
جميل أن نشيع ثقافة الفرح والاحتفاء بالإنجازات ولكن الأجمل ألا تدخلنا في دائرة الإسراف والخيلاء.