أشرنا في الحلقة السابقة إلى أن الله تعالى امتدح نبيه عليه الصلاة والسلام وأثنى عليه بحسن أخلاقه مع كثرة وتعدد جوانب الكمال في شخصه الكريم، وحيث أكّد صلى الله عليه وسلم على منزلة الخلق والتعامل من الدين في قوله: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) فإنه لم يكتف بذلك الإرشاد، بل قرنه بالتطبيق العملي، فقد كان عليه الصلاة والسلام على قمة الاتصاف بالأخلاق الفاضلة، بل ضرب للعالم أجمع أنموذجاً أخلاقياً رائعاً يحتذى، ولا غرو فهو الموصوف في الكتب السماوية السابقة بأنه على القمة من الأخلاق الفاضلة فهو ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر.
وشهد له المحاطون به بهذا الكمال الأخلاقي، كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه بأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا لعّاناً، هذا وهو الذي قد خدمه عشر سنين فلم يعاتبه قط ولم يقل لشيء فعله: (لم فعلته) ولا لشيء تركه: (لم تركته).
ومن حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم كمال التعامل مع الخلق وحسن الاستماع للناس وقضاء حوائجهم، والرفق في تعليم الناس بلا شدة ولا تعنيف ولا تقريع، والتبسّم في وجوه أصحابه رضي الله عنهم والدعاء لهم، واللطف مع الخدم.
ومع اتصافه عليه الصلاة والسلام بجميع خصال النبل والشرف الأخلاقي كان يسأل الله تعالى كمال حسن الخلق وتمامه كما في دعائه صلى الله عليه وسلم: (واهدني لأحسن الأخلاق.. واصرف عني سيئها..) وذلك إشعاراً للأمة بأهمية حسن الخلق في الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيادة الناس والتأثير فيهم، وصدق الله القائل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.
- المشرف على كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية بجامعة الملك سعود
adelalshddy@hotmail.com