«الجزيرة» - الاقتصاد:
قليلة هي القواسم المشتركة التي تجمع بين فندق «رينيسانس» ذي الأربع نجوم في مدينة رالي في ولاية كارولاينا الشمالية، ومجمّع «فيزي كانينغ تاون» السكني المؤلف من 75 شقة في شرق لندن، باستثناء أنهما يتشاطران المالك العقاري ذاته، وهو صندوق يقع مقره في إحدى الدول في الشرق الأوسط على بعد آلاف الأميال.
وقد تحوّل هذا الصندوق، أي «جهاز أبوظبي للاستثمار»، إلى أحد أكبر مالكي العقارات حول العالم. وانطلاقاً من الخليج العربي، يتطلّع العدد الهائل من مقتنصي الصفقات فيه على نحو متزايد إلى ما وراء العقارات المتميّزة والعريقة، التي استقطبت في الماضي صناديق ثروات سيادية، نحو مجموعة أوسع من المدن والمباني.
أقدم «جهاز أبوظبي للاستثمار» قبل بضعة أشهر على شراء فندقيْن في مدينة رالي (ومن بينهما فندق «رينيسانس رالي نورث هيلز»)، واستحوذ في صفقات أخرى على أكثر من عشرة فنادق من الفئات السعرية المتوسطة شملت العلامات التجارية «كورت يارد»، التابعة لسلسلة «ماريوت»، و»هامبتون إن» في مدن على غرار غرينسبورغ في بنسيلفانيا، وكولومبوس في أوهايو.
هذا وتساهم هذه الاتفاقات وأخرى مشابهة لها في تسريع عملية تحوّل العقارات (التي لطالما شكّلت قطاع الأعمال الأساسي محلياً) إلى قطاع باتت حتى الأصول العادية فيه تجذب المستثمرين من جميع أنحاء العالم.
وقال في هذا الشأن فينسينت كوستانتيني، الرئيس التنفيذي لشركة الاستثمارات والاستشارات العقارية في بوسطن «روز فيو»، إن «العقارات تتحوّل إلى قطاع معولم، على غرار استثمارات أخرى». مضيفاً أن «التكنولوجيا والبحوث المستقلة تحسّنت على مدى الأعوام العشرة الماضية، وإن كُنت تتمتّع بسمعة طيبة وشهرة وسيولة مثل «جهاز أبوظبي للاستثمار»، يمكنك توظيف المواهب المحلية التي تحتاج إليها».
تجدر الملاحظة أن الصندوق المتحفّظ يفضّل إدارة صفقاته الخاصة من مقرّه، وهو عبارة عن مبنى مكاتب يتألف من 36 طابقاً يطلّ على الخليج العربي، كما أنه يفضّل توظيف الأجانب. ويجري المرشحون لهذه المناصب مقابلات ويخضعون لاختبارات نفسية تمتدّ على أشهر عدّة بغية استبعاد مَن لا يناسبهم العيش في الخليج.
أما المرشحون الذين يلبّون المعايير المطلوبة ويتمّ توظيفهم، فيشرفون على عقارات بقيمة 50 مليار دولار في 41 بلداً، بحسب أشخاص مطّلعين على المسألة صرحوا لوكالة داو جونز.
وخلال مقابلة صرّح توم أرنولد، رئيس قسم عقارات الأمريكيتيْن لدى «جهاز أبوظبي للاستثمار»، بأننا «نأتي جميعنا من الأسواق التي نستثمر فيها». وشرح أرنولد، وهو أمريكي كان مديراً تنفيذياً سابقاً في مجال الاستثمارات الخاصة، أن القسم يضمّ أفراداً من 36 دولة يستغلون معرفتهم في شؤون الأسواق والشبكات المحلية للعثور على أفضل الصفقات. كما أنهم يسافرون كثيراً، إِذْ أوضح أرنولد أنه يقطع ما يصل إلى 30 ألف ميل جوي شهرياً.
وقد فضّلت صناديق الثروات السيادية، التي تمّ إنشاؤها حول العالم بغية استثمار الإيرادات غير المرتقبة من النفط ومصادر أخرى، توظيف أموالها في أصول ملموسة على غرار مجمّعات مؤلفة من شقق سكنية ومبانٍ مكتبية، بعدما تكبّدت خسائر فادحة جرّاء الاستثمار في الأوراق المالية خلال الأزمة المالية.
يُذكر أنه حالياً، تستثمر 59 في المئة من كافة صناديق الثروات السيادية في مجال العقارات، في ازدياد بنسبة 5 في المئة عن المعدل المسجل قبل عامين فحسب، وفق بيانات صدرت عن «بريكين».
ولابدّ من الإشارة إلى أن «جهاز أبوظبي للاستثمار» تأسّس في العام 1976م ويدير أصولاً تُقدّر قيمتها بنحو 621 مليار دولار، بحسب «مركز الثروة السيادية». وذكر أنه يخصّص ما بين 5 في المئة إلى 10 في المئة من أصوله للقطاع العقاري.
وطوال عدّة سنوات، كان يتّبع الصندوق مقاربة مماثلة لتلك التي تنتهجها العديد من المؤسسات الاستثمارية الكبيرة الأخرى. فلم يكن طاقم عمله يتألّف سوى من بضع عشرات الأشخاص الذين خصّصوا المال لشركات عقارية تتمتّع بمعرفة عميقة بأسواقها المحلية. لكن قبل حوالي عقد من الزمن، أقدم الصندوق على تغيير استراتيجيته وأنشأ فريقاً لشراء المزيد من العقارات وامتلاكها بصورة مباشرة.
واليوم، يعمل حوالي 180 من أصل 1100 موظف متخصّص في الاستثمارات لدى «جهاز أبوظبي للاستثمار» في قطاع العقارات، وفقاً لأشخاص مطّلعين على شؤون الصندوق. ويفرض على جميع موظفيه في قسم الاستثمار شرطيْ الإقامة والعمل في أبوظبي التي يبلغ عدد سكانها 600 ألف نسمة ويصل متوسط الحرارة السنوية فيها إلى 80 درجة.
ويقول موظفون سابقون وآخرون مقرّبون من الصندوق إن كبار المسؤولين التنفيذيين يروّجون فكرة أن إبقاء الموظفين في مكان واحد يساهم في إنشاء ثقافة متماسكة ومتجانسة ويحدّ من التجاوزات التي قد تحدث عند اعتماد هيكلية لا مركزية أكبر في مكاتب الشركات.
اختبارات نفسية
ولتحديد مدى كفاءة الموظف المحتمل للمنصب، يعمد «جهاز أبوظبي للاستثمار» إلى إخضاع هذا الشخص لسلسلة من المقابلات والمكالمات الهاتفية ومحادثات فيديو عبر الإنترنت طوال عدة أشهر. ويتحدّث أشخاص مطّلعون على شؤون الشركة عن «اختبارات نفسية» تُجرى للموظفين المحتملين بهدف تقييم شخصياتهم وقدرتهم على العمل معاً.
وبعد خضوع المرشحين لمقابلات طوال أشهر، يُصار إلى نقل أفضلهم إلى أبوظبي مع أفراد أسرهم، بعد التحقّق أيضاً من ارتياح زوجاتهم أو أزواجهم وأطفالهم لهذه الخطوة. ويجتمع الموظفون المحتملون مع أكثر من عشرين مسؤولاً تنفيذياً في «جهاز أبوظبي للاستثمار»، ويحتاجون إلى شبه إجماع على توظيفهم، وفق أشخاص على دراية بالمسألة.
أما الأجور والمزايا التي ينالها أولئك الذين يحصلون على الوظيفة فهي جيدة، إِذْ إن الصندوق يمنح رواتب ومكافآت مالية تساوي تماماً تلك التي توفّرها شركات استثمارية أمريكية كبرى، بحسب أشخاص على بيّنة من جدول الرواتب في الصندوق، وعادةً ما تشمل مخصّصات سخية للسكن والمدارس. علاوةً على ذلك، إن ضريبة الدخل هي صفر (على الرغم من أن معظم الموظّفين الأمريكيين يدفعون ضريبة فدرالية أمريكية) ناهيك عن أن كبار المسؤولين التنفيذيين يسافرون جواً في الدرجة الأولى.
ولا يفصح الصندوق عن معلومات كثيرة حول الأرقام المرتبطة بأدائه، لكن تقريره السنوي يفيد بأن عائدات محفظته الإجمالية المحتسبة سنوياً لعشرين عاماً بلغت 7.4 في المئة خلال العام الماضي. وكشف الأشخاص المطّلعون على أداء الصندوق أنه في السنوات القليلة الماضية، حقّق قسمه العقاري عائدات سنوية تجاوزت 15 في المئة من استثماراته في الولايات المتحدة.
يشار أخيراً إلى أنه يمكن عدم إطلاع الموظفين على معلومات معينة قد تكون متاحة للجميع في شركات استثمار أخرى. فقد ذكر موظفون سابقون أنهم لم يكونوا يوماً على علم بحجم استثمارات الشركة فعلياً في مجال العقارات. وقد كان عليهم التخمين كأي شخص آخر.