المدينة المنورة - مروان عمر قصاص:
تشهد المدينة المنورة هذه الأيام من شهر رمضان المبارك توافد العديد من المعتمرين والزوار من شتى بقاع الدنيا؛ إذ يقضون أيامًا من هذا الشهر في رحاب مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخلال إقامتهم في المدينة المنورة يحرصون على زيارة العديد من المواقع التاريخية والمعالم الحضارية.
وقد رصدت (الجزيرة) أبرز تلك الموقع للتعريف بها.
مسجد قباء
هذا المسجد من المساجد التاريخية المهمة، الذي اكتسب أهميته من كونه أول مسجد أُسّس في الإسلام. وهذا المسجد شهد بداية هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ وصل رسول الله إلى قرية قباء التي كانت خارج المدينة، وأصبحت الآن أحد أحياء المدينة. وأقام الرسول في مواقع بني عمرو بن عوف أيامًا عدة، وأسس هناك مسجد قباء، وهو أول مسجد أُسس على التقوى، وفيه يقول الحق سبحانه وتعالى {... لمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ. فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ. وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}. وقد شارك الرسول - كما يُقال - في عمارته؛ إذ كان عليه الصلاة والسلام ينقل بنفسه الحجر والصخر والتراب مع الصحابة - رضي الله عنهم -. وقد شهد هذا المسجد على مر التاريخ العديد من مشروعات التوسعية، وكانت أولى التوسعات في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، كما جدد عمر بن عبدالعزيز الذي كان واليًا على المدينة المنورة عمارته في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك الأموي، وأنشأ أول مئذنة للمسجد، ثم توالت عليه توسعات عديدة.
وكان للدولة السعودية جهود موفقة في تطوير هذا المسجد وتجديد عمارته، ونفذت قبل سنوات أكبر توسعة للمسجد؛ إذ بلغت النسبة في التوسعة أكثر من 550 %؛ فقد كانت مساحة المسجد قبل هذه التوسعة (1352) مترًا مربعًا، وأصبحت بعد التوسعة نحو (7465) مترًا مربعًا. وقد تم تنفيذ التوسعة على أحدث الطرق المعمارية، وأصبح المسجد يتسع لأكثر من عشرين ألف مُصلٍّ. وتجري الاستعدادات حاليًا لإضافة توسعة جديدة ضمن مشروع تطوير منطقة قباء كمنطقة حضارية، تشرف عليها هيئة تطوير المدينة المنورة، التي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، الذي يأتي ضمن مشروع درب السنة.
مسجد ذي الحليفة
وهذا المسجد يقع في ضاحية آبار علي غرب المدينة المنورة، وهو أحد مواقيت الإحرام بالحج والعمرة؛ إذ يتم عقد نية الإحرام في هذا المسجد لأهالي المدينة المنورة وللمارين بها قبل الذهاب للعمرة أو الحج. وقد شهدت مواقيت الإحرام كافة من حكومتنا الرشيدة في إطار عنايتها بالمساجد ومواقيت الحج مشروعات عملاقة لتطويرها، وتجديد عمارتها، ومنها هذا الميقات المسمى بميقات ذي الحليفة أو آبار علي. وقد عُرف هذا المسجد باسم مسجد الشجرة، وهي شجرة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل تحتها بذي الحليفة. وجاءت آخر توسعة لهذا المسجد بعمارة إسلامية مميزة مواكبة للبيئة المحيطة بموقع المسجد. وتبلغ مساحة المسجد نحو (6000) متر مربع، وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمسجد الآن أكثر من (5000) مُصلٍّ.
ومما يجدر ذكره هنا أن المساحة الكلية للمشروع بمكوناته - وهي المسجد والملحقات التابعة له والخدمات المساندة والساحات المحيطة به - تبلغ (90) ألف متر مربع، منها (26) ألف متر مربع للمسجد وملحقاته، و(64) ألف متر مربع مساحة الطرق والأرصفة والمواقف والخدمات. ويتكون المسجد من سلسلة صفوف من الأروقة.
ويضم هذا المشروع وحدات يتميز بها؛ كونه أحد المواقيت، وهي وحدات خاصة للإحرام والوضوء ودورات المياه، التي تتكون من مجموعتين، مساحة كل مجموعة (3900) متر مربع، بطول (130) مترًا، وعرض (30) مترًا، وتضم (512) حمامًا و(384) غرفة ملابس، خُصص جزء منها للسيدات، إضافة إلى (566) دشًّا للاستحمام. كما تم تخصيص جزء من هذه الوحدات للعجزة والمسنين، وزُودت بمكونات خاصة.
مسجد القبلتين
يتميز مسجد القبلتين بحدث تاريخي بارز في حياة المسلمين؛ إذ إن هذا المسجد شهد في الثاني من شهر شعبان من العام الثاني من الهجرة تحويل القبلة في الصلاة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة بمكة المكرمة. وقد أكسب هذا التغيير للمسجد اسمه (مسجد القبلتين).
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الحدث في قول الحق سبحانه وتعالى {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ...}. وكانت عمارة هذا المسجد في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحجر واللبن وجذوع النخيل والجريد.
وقد جُدد بناء هذا المسجد في عهد عمر بن عبدالعزيز، وشهد العديد من أعمال التوسعة على مر العصور.