حتما ستكون هناك نظرة أخيرة يوجهها الإنسان وهو ماضٍ على ظهر هذا الكوكب بين الأمل والرجاء تحدوه الأماني وهو يترقبها بشغف عجيب وهي على أحوالها ترمق بشعاعها الأخّاذ وجه الحياة المضيء متلهفة متسائلة عن آخر شيء تبادر إليه وتطالعه فيا تُرى لمن تكون خطوتي ونظرتي الأخيرة، ولمن أبث ومضتي وفكرتي في رحلتي القصيرة، ولمن أقود وثبتي ونفرتي ووجهتي والعين مبصرةٌ لكنها عما يجول بعالَم الغيب ضريرة، أيومها أكون ماثلا في حضرة الربوع أم أنني أعيش بين غيهب الخضوع للخريف يا ويلتى من هوله المخيف لو كشرت أنيابه وهالني في مهجتي النضيرة، وبينما الربيع في صباه يحتضر قد تجمّد الندى.. وماتت الغصون.. والنسيم يستعر وحينها سينفد الوقت وتنقضي الحياة ويصل عمرنا في لمحةٍ لمنتهاه والصوت يجهر حولنا ولم نعي يوما مداه معلناً فوق الورى ما قد حوا بين السريرة، لمن تكون عبرتي وأنَّتي في كل ساعة ما بين إحجامٍ وطاعة ومقادير تردد صرخة الروح الحسيرة، وهنا يجول بخاطري شيء خفيٌ سائلي هذي الأماني لمن تكون؟ وبغلظةٍ صمّاء يحصد في براعمها المنون حتى وإن ظلت معلقة بأهداب الرجاء تؤجج في مراجلها الظنون وفي معانيها اليسيرة، كتبت لنا فوق السطور مخاض ساعات الميلاد وبكل قلب قد رأيت لها امتداد فأرّخت وعلّمت كيف كانت لنا البداية وتوالت الأحداث في صفحاتها بين منعٍ أو عطايا تمضي بنا تلك الدهور على مطايا للعبور إلى النهاية ونظل مجهولي النهاية بين إرهاصٍ وحيرة، تتراء في مقل العيون مشاهدٌ تُبدي لنا ما قد حوته على العيان وبكل ضاحيةٍ بيانٍ قد بدا يروي لنا في حكايات مثيرة، لمن يكون الحبو في تلك الخُطى آ للصواب حينها نؤوب أم لدرك في الخطا؟ إذا ما أطبقت علينا بغتةً نهاية المطاف بين نيفٍ من سمانٍ أو سنينٍ من عجاف ولاحقتنا من تليد وتبدّى من ثناياها وعيدٌ قد مضى على تلك الوتيرة، لمن تكون نظرتي الأخيرة، آ للأماني بين أبيات القصيدة أم للمعاني بين طيات الجريدة أو أنها تحمّلق كي تحلّق في السماء لترقب النجم البهي بين حُلّته المنيرة، أو أنها تكون في طريقٍ تمضي خطوتي عليه ونظرتي تسبق في شرودها إليه لترسم الملامح المريرة، يطول حينها ويمتد إلى درب العناء فكرٌ يساوره الفناء ويهمس في جوانحنا ثواني والقلب من فرط الضنى يُعاني وبكل نبضٍ قد بدا يغلي سعيره، والعقل يالا العقل عاوده الفضول ليظل في بحثٍ وتمحيصٍ يطول ويبقى نابغة الخلائق في عوالمه جهول كانجم يسطع عاليا حتى تؤوب به النهاية للأفول كالزهر في ريعانه بنضارةٍ ورقاء حتى يواتيه الذبول ويرْتحل يوما عبيره، والكائن البشري يعمل جاهدا نحو السنام وللذرى وبعَزْمَةٍ شمّاء يدفع عن مرابعنا الشرى فتأتي حينها لحظة الفراق .. لينتهي العناق وتختفي في حلمنا وتنتفض من هولها الرياح العاتيات وتذهب الجبال الراسيات بين أدراج الهبوب وعندها يُبَدّل الشروق بالغروب كأنما الأحياء والأشياء في مهمةٍ أجيرة، لكن نور الفجر يبزغ بعد طلسمة الظلام ليدور قرص الشمس باعث دفئه وضحاه يحتضن الأنام من بعده النقصان يغدو زاحفا بقواه يدحر في التمام مدوناً للخَلْقِ سيرة، كان فوق الأرض بالأمس القريب واليوم من بين الثرى ضمته في لحدٍ غريب والروح في مكنونها لا تبقى في قيدٍ أسيرة، يا أيها الإنسان قم وطالع فلديك من فيض الدوافع ما دعاك لترى بعينك ما تخُطّه الأقدار وقد تبدّى من طويته هناك وبكل مكتوبٍ على ألواحه بين البرايا قد نعاك .. بدمعه وعيونه من تأثرها غزيرة، نظراتها ترمق في دروبٍ من سراب قد بات في مكنونها شئٌ يسوق إلى التراب لتلتقي بين الجوانح والرؤى تلك العوالم قد رآها من رأى شهبا تضئ على المدى في طرائقنا العسيرة، ها هي الأرواح عاشقةٌ وتهفو للبراح والعقل في ضيق شرنقة العناء وما استراح والقلب ما بين غدوٍ أو رواح ترنو الحياة إليه في ترياقها وتقيم للوجْد شعيرة، لمن تكون النظرة الأخيرة، وبأي أرضٍ وقتها أمُرُّ من فوق الثرى وأقدامي تفوت وبين جنبها تضم حُلْما للورى ولتربها يغدو كل حي ٍ سيموت ويصرخ الفناء صرخةً تشعل في جوانحنا هجيره، كالنبات بين أصقاع الحياة يخرج الإنسان في ثوبٍ نضير مخضرا .. ثم يهيج فتراه مصفرا والرأس مشتعلٌ من الشيب النذير ويأتي بعدها الحُطام .. يواري سوأته الرغام والعُمر يجنح حينها لآخر المطاف ونهايات المسيرة.