يغفل كثير من المدربين عن التأنق البسيط لأجل التأثير في الجمهور، ولا يرون ذلك مؤثراً في حين أن المدرب ومثله المعلم تتوقف قدرة إقناعه للآخرين بالمعلومة على شكله وأناقته.
يؤكد هذه الحقيقة علماء سيكولوجيات التأثير, فهم يرون أن الشخص عندما يقابل غرباء ذوي وسامة يشاركهم اتجاهاتهم ومواقفهم بشكل آلي. وقد يشكل فكرته عنهم من خلال اللقاء الأول, وربما الأربع دقائق الأولى.
وهذه واحدة من أهم تعليمات التدريب التي يتلقاها كل من تحصل على شهادة تدريب المدربين.(T.O.T)
كذلك يغفل المدرب عن التعريف بنفسه بما يشبه أكبر شريحة من المتدربين, فيحاول أن يبدو أكثر مثالية منهم, وبالتالي تخرج المجموعة الأكثر وعيا غير مقتنعة به, لأنه بهذا الأسلوب سوف يؤثر على الهشين القابلين للتحول, بينما الأكثر وعيا لن تنطلي عليهم مثاليته المفتعلة,فالناس تفر من بائعي الأوهام.
1977-1981) ) للولايات المتحدة كان جيمي كارتر الرئيس التاسع والثلاثين مجهولا كرجل سياسي وطني فقام بإلقاء العديد من الخطب أثناء ترشحه للرئاسة, وكانت خطبه تبدأ بهذه العبارات:
«أنا جيمي كارتر, من مدينة صغيرة في الجنوب. فلاح متدين, وربّ لأسرة مكونة من زوجتي روزالين, وابنتي آمي. أديت الخدمة العسكرية بوصفي مهندسا نوويا, وكنت محافظا لولاية جورجيا»
هذا التعريف البسيط ربما لايعجبنا كنص عادي, أو عبارات يقولها أي شخص, إلا أنها كانت سببا -بعد الله- في التصويت له.
ما الدليل؟
الدليل ببساطة ترشحه رغم بساطة هذا التعريف.
هذا المثال يدل دلالة واضحة على أن التشابه يزيد المحبة والولاء.
نحن لسنا بحاجة لأن نكون وسيمين حتى يحبنا الآخرون, فالناس أيضا تحب من يشبهها.
كان كارتر في حديثه يركز على بعض السمات المشتركة مع شريحة كبيرة من الناس, وخاصة المنصتين لخطبته, حيث كان معظمهم سكان مدن صغيرة , يعملون في الزراعة, يرتادون دور العبادة, ولهم أسرة, ويخدمون عسكريًا.
هذه هي جل اهتمامات الجمهور الذي سيجلس مستمعا لك متى ما كنت محاضرًا تحمل في جعبتك أفكاراً قد تقنع وقد لا تفعل.
يقول مجموعة من الباحثين:
هناك أربع علامات هامة للتشابه, يعتني بها الجمهور المتلقي كثيرًا مهما كانت ثقافته, ومهما زعم استقلاليته.
تتمثل في:
«الموقف(الاتجاه), الفضائل, الثقافة, المظهر»
هي ذاتها تتلخص في ذهن المتلقي على شكل أسئلة تتمثل في :
هل يفكر المتحدث مثلي؟
هل يتحلى بنفس الفضائل التي أتحلى بها؟
هل يشاركني ثقافتي؟
هل يشبهني في طريقة لبسي وشكلي؟
بين هذه التساؤلات الأربعة نكون مقنعين أو لا نكون.
والملاحظ لمواقع التواصل سيجد أن معظم المشاجرات في الردود والتعليقات- ولنأخذ( تويتر) نموذجًا- سيجد بأن محاور الخلاف غالبا لاتخلُ من هذه الأربعة, يأتي في مقدمتها الفضائل المتمثلة في الدين أولا ثم التفكير ثانيا,ثم التشابه ثالثًا, وفي الرابعة تأتي الثقافة.
هذا الترتيب الذي لا أزعم بأنه قد قام على دراسة منهجية, ماهو إلا نقد انطباعي مبني على الملاحظة قد يوافقني القارئ على ماجاء فيه, وقد لايوافقني, فالزوايا والمفاهيم غالبا هي التي ستحدد مدى التقارب وبعده, وربما سنتفق في الأولى وسنختلف في هل الفكر يشكل الدين, وهل الثقافة تدخل في الفكر, ولماذا التشابه لايكون ضمن الفضائل أو الثقافة أو.. أو..
عودا على بدء: أرجو ألا يفهم من كلامي الدعوة للتأنق مقابل هشاشة ما يُقدم, فالأناقة, أو حتى الوسامة عمرها قصير, تبهت مع الزمن ومضي العمر, وتدهور الذوق, ولكنني أردت أن أبين أن لها دورًا في التأثير, وإيصال القيمة الفكرية التي نريد لها الوصول آمنة مطمئنة.
- د. زكية العتيبي