عرفت ( حسن الحارثي ) يرحمه الله كاتباً جاداً في صحيفة الوطن السعودية يكتب بلغة جاذبة تشعر معها أنك أمام كتب يحترم قلمه وجمهورة حتى أنك لتشعر أنه يتعب على لغة مقالته وهذا ما أفرز كاتبا شموليا ومثقفا جادا .
وترسخت علاقتي به عبر الميديا حينما جمعنا أحد قروبات الواتس آب في رمضان المنصرم مع آخرين منهم الأصدقاء ((عبدالله صالح القرني)) و((سامي الفليج)) و((حسن آل عامر))
حيث فتح لي الواتس نافذة حوارية مع عقل حسن ومنتجه الإبداعي ويومها كان مدار حوارنا الشخصي برنامجه الدرامي ( 1مينيت ) الذي كان يبثه من خلال منصة اليوتيوب وكان هذا بالتزامن مع إطلالته القوية من خلال مسلسل (سيلفي) الذي أحتل الشاشة متسيدًا الموسم الرمضاني الدرامي في العام الماضي استنادا إلى نسبة المشاهدة العالية وصداه القوي وما آثاره من ردود أفعال.
كنت أتحدث مع حسن الحارثي -يرحمه الله – عن عمله اليوتيوبي أكثر من الحديث عن تجربته ومشاركته في كتابة حلقات (سيلفي) رغم أن سيلفي أفصح عن شخصية قادرة على لفت النظر إلى منجزها الإبداعي في مجال الدراما ككاتب ومخرج . فضلا عن قوة حلقات سيلفي التي كتبها حسن مثل ( البلدوزر ) و( كاد المعلم )
حديثي مع حسن الحارثي عن ((صرعة الدقيقة الواحدة )) كان أكثر منه عن ((سيلفي)) لأنه تجربة مغايرة جاءت عبر حلقات (ون مينيت الرمضانية) وهذه التجربة كشفت عن شخصية حسن التي تقرأ الواقع في ظل معطياته بوعي شديد ، حيث أدرك أن المرور إلى المتلقي عبر( الانفو ميديا) أكثر إغراء و أقوى نفوذًا إلى وعيه.
وماشجعني للحديث مع الحارثي عن ((دراما الهاتف الذكي)) ماكان يبديه حسن من تفاعل مع ما أطرحه من رأي حيث كنت ألمس أن لديه تماهياً مع هذا التوجه وأنه يبدي ولعاً واعياً باستغلال الفضاءات الجديدة ( اليوتيوب ).
كان حسن شديد الوعي بماتنفرد به التقنية من مزايا تفوق ماتوفره المنصات التقليدية ( الشاشة ) من حيث كلفة الإعداد ومتطلبات الإنتاج،
و كان يدرك حقيقة قائمة مفادها أن المنصات الجديدة هزت عرش ماسبقها من وسائط تقليدية.
وفي تجربة ( الدراما الإلكترونية أو اليوتيوبية الشديدة القصر ) -أن صحت هذه التسمية - التي ذهب حسن باتجاهها أظهرته كمبدع قادر على إنتاج دراما إبداعية بشروط خاصة ( حيث التصوير بكاميرا الجوال بكل ماتفرضه من مشكلات خصوصًا تلك المتعلقة بوضوح الصوت فضلا عن الزمن فأنت أمام دقيقة كوميدية واحدة ) وهذا ما يمكنني تسميته بقدرة الراحل على التواطؤ الواعي مع تفضيلات إنسان اليوم ونزولا عند رغباته حيث يفرض الإيقاع السريع نفسه ابتداء من ثقافة التيك أوى - والفاست فود و انتهاء بالفلاش وهاهي المشاهدة تمر بمنعرج جديد عبر ال (ون مينيت ) والتي باتت أحد تفضيلات إنسان يعيش في عصر مغاير، سمته السرعة و يعتمد آليات جديدة مفارقة حد الاختلاف للآليات السابقة لعصر المشاهدة عبر الشاشة . وقد نشر حسن الحارثي عدة حلقات عبر الشبكة خلال شهر رمضان المنصرم وكانت التجربة تشي بتطور نوعي متنامي في التقاط الفكرة والمعالجة والأداء التمثيلي يشارك فيه عدد من الشباب الواعد الذي يتشكل ببطء وهدوء كخبز في تنور .
كنت أستغرب أن هذه الحالة الدرامية الحديثة لا يقودها أحد المشتغلين العتاقى بالدراما بل يقودها كاتب صحفي شاب ، والذي سريعاً تحول في ظني من كتابة المقال نحو السيناريست والاخراج حيث تشير الدلائل إلى أن الدرامي بدأ يزاحم كاتب المقال داخل حسن إن لم تكن الدراما قد بدأت فعليا في جره نحوها .
حسن الحارثي كما عرفته شاب شغوف بسيط مغامر محب لاجتراح عوالم شتى وخوض تجارب مختلفة ومتنوعة وكان عبر تجربة ((الون مينيت )) ينحو بهذه الدراما نحو المغامرة والتجريب حاملاً مشعل تأكيد حضورها على الساحة عبر ( صرعة الدقيقة الواحدة ) ، حاول حسن التكريس لجنس درامي حديث ينبثق من رحم المعطى التقني والهواتف الذكية. ونحا مع آخرين نحو التأسيس لشكل جديد من الدراما وذهب نحو ترسيخ أعراف وتقاليد درامية قد تشكل عالما له إستراتيجياته الخاصة وحضوره القوي لكن الموت قضى على كل تلك التجارب الجميلة الواعية .. وتوقف بالموت نبض مبدع شمولي متعدد
رحم الله حسن الذي برحيله خسرنا الإنسان البسيط والقلم المثقف وخسرت الدراما وسيلفي أحد كتابها
فيما التجربة الشبابية المغايرة خسرت برحيله أحد عشاقها وشديدي الالتصاق بها
في واقع الأمر كنا ننتظر من حسن المزيد من الإشراقات والمثاقفة الجادة والتجريب الواعي لكن كان الأجل أسرع حتى أنه فاجأنا برحيله السريع جداً بعد أن كنا نتبادل التهاني بالشهر الكريم ومعه نسوق الآمال بمشاهدات جديدة وتجارب جديدة ومغامرات واعية حديثة.
رحم الله حسن رحمة واسعة وأحسن عزاءنا وعزاء أهله ومحبيه.
- ناصر بن محمد العُمري