ها وقد عادت الإجازة الصيفية والفراغ والوقت الطويل الذي يكتنف شبابنا, كيف نقضيه ونملؤه. فعصب هذه الأمة بشبابها فهم الركيزة التي تستمد القوة منها. فإجازة هذه السنة طويلة جداً ويمر وقتها بأحلى وأبهج الروحانيات روحانية شهر رمضان المبارك وبما فيه من نعائم وخيرات كثيرة على الأمة المحمدية؛ ويعقبه عيد الفطر السعيد وأيامه المباركة.. قال عليه الصلاة والسلام: «من صام رمضان ثم أتبعه بستة من شوال كان كصيام الدهر» رواه مسلم. وبعد ذلك تمر علينا أيام فضيلة أيام العشر من ذي الحجة والعمل الخيّر والثواب العظيم ومضاعفة الأجر فيها, ويعقبها الركن الخامس الأعظم هو حج بيت الله وفيه خير يوم على البشرية يوم عرفة الذي يباهي سبحانه وتعالى بخلائقه؛ ويقول لهم اذهبوا مغفوراً لكم.. فاغتنم هذه الفرص أخي في الله لتحصد أنفاس عمرك وساعات وقتك لتكون حصيلة لك في دنياك وآخرتك.
حيث كان النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه يوصي أشد الوصية بذلك فيما رواه ابن عباس رضي الله عنه حيث قال: «اغتنم خمساً قبل خمس حياتك قبل موتك, وصحتك قبل سقمك, وفراغك قبل شغلك, وشبابك قبل هرمك, وغناك قبل فقرك» أخرجه الحاكم.
وهذا سيدنا عمر رضي الله عنه كان لا ينام بالليل إلا قليلاً وينشغل في النهار في قضايا الرعية, فقيل له في ذلك فقال: «إن نمت بالليل ضيعت نفسي, وإن نمت بالنهار ضيعت غيري». حدثنا مسعود بن بشر إن رجلاً قال لعمر بن عبدالعزيز لما ولي الخلافة تفرغ لنا فقال: «قد جاء شغل شاغل وعدلت عن طرق السلامة ذهب الفراغ فلا فراغ إلى يوم القيامة».
كانت تلك الوصايا من مدرسة رسول الله التي تربى عليها سلف هذه الأمة الصالح على الاغتنام والتزود بكل ثواني وأوقات عمرهم الذي لم يعرفوا انتهاه وملؤها مخافة ومحبة لله ورسوله بقتل المعاصي والشهوات والتزود وبالتقرب إلى الله بكل ما تعلمناه من خير الورى عليه أفضل الصلاة والسلام.
فها نحن نستقبل بين أيدينا الإجازة الصيفية لكل منا من فهم, لابد من أن نستوقف هذا الوقت الذي يمر بنا في حياتنا صغيرة وكبيرة, دقة وجلة, هزله وجده, كل هذا مسائلين عنه أمام الله عز وجل. فصن نفسك أخي وأختي وخاصةً الشباب منكم من تطهير النفس والبعد عن سفاسف الأمور ومعاصيها حتى تخرج بنفسك أمام الله مشافىً معافىً, فأنتم أيها الشباب عماد الأمة وذخرها ونهضتها ومستقبلها يكمن بصلاحكم واستقامتكم ووعيكم بواجبكم بملء هذا الوقت بالنافع المفيد لكم أنتم أولاً ولصالح الأمة التي تستمد المجد والقوة منكم فلا تبخلوا واحذروا من الفراغ فإنه خطر ووبال إن لم تخطط له بصيانة وصياغة النفس يعقبه حسرات, حيث نبه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فقال: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ» رواه البخاري. ومن أقوال الحكماء من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه, أو فرض أداه, أو مجد أثله , أو حمد حصله, أو خير أسسه, أو علم اقتبسه, فقد عقّ يومه وظلم نفسه. فعليك أخي الشاب وأختي الشابة بالالتحاق والانخراط بالمراكز الصيفية ولله الحمد وهي منتشرة وتؤدي رسالة كبيرة تجاهكم, وبتقوية تحصيلكم العلمي بأخذ دورات مفيدة تنمي من قدراتكم العلمية والعملية وتعبر بكم إلى بر الأمان, أو التطوع بمجالاته الكثيرة التي تنمي لديكم الخبرات واتخاذ القرارات التي تعود بالنفع عليكم وعلى مجتمعكم, فالوقت هو ثمرة العمر.. فهل ثمارنا طيبة ومفيدة للمجتمع أم خبيثة تضر بنا وبالجميع. يقول ابن القيم رحمه الله «السنة شجرة, والشهور فروعها والأيام أغصانها, والساعات أوراقها والأنفاس ثمارها»؛ فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته يانعة طيبة له ولغيره ومن كانت في معصية فثمرته يذق وبالها حنظل».
تشتهي النفس أن تعش ذكرى وتطيب في آخرتها رغداً.