بيروت - رويترز:
رمقت العراقية زها حديد الحضارات الهندسية بنظرة تغيير وأهدت الحجر منحة النطق فصار زمنها المعماري صاحب لغة خاصة ازدهرت معها هندسة مرهفة وغير تقليدية.. بل تشكل انقلابا على السائد. وطوعت زها حديد الحديد فجاء على ورقها لينا وبحساسية عالية حتى سطع اسمها في سماء الهندسة المعمارية. سيرة المهندسة العراقية الشهيرة جرى تناولها في فيلم وثائقي عرض في بيروت تحت عنوان (تخيّل... زها حديد: من يجرؤ يكسب) من إنتاج محطة بي.بي.سي. وجاء عرض الفيلم بمبادرة من مهرجان بيروت للفيلم الوثائقي الذي كان يستعد لعرضه في الخريف. لكن بعد رحيل زها فجأة في مارس آذار الماضي وهي في أوج عطائها فضلت إدارة المهرجان إطلاقه تكريما لنجاح أسطوري لامرأة استثنائية. يعرض الفيلم جوانب من حياتها في «لفتة حب لكل ما هو جميل ومبدع ورائد في الثقافة العربية» كما جاء في منشور للمهرجان وزع قبيل عرض الفيلم. ويبرز الفيلم كيف جابت بنت حضارات العراق المدن مزودة بخرائط عابرة للتقليد فبنت مملكتها المميزة وتمكنت من نشر ذوقها ونثره على شوارع وجامعات وعواصم تحكي اليوم لغتها. الفيلم عبارة عن زيارة لأبنيتها من النمسا إلى أذربيجان ضمن إنجازات المهندسة العراقية اللامعة. ومن المقرر إطلاقه في بيروت في افتتاح النسخة الثانية من مهرجان بيروت للفيلم الوثائقي في الفترة من الثامن إلى الثالث عشر من نوفمبر. وتظهر زها الطفلة في الفيلم عبر صور فوتوغرافية كابنة لأحد قيادات الحزب الوطني الديمقراطي العراقي ووزير المالية الأسبق محمد حديد الذي اشتهر بتسيير اقتصاد العراق خلال الفترة من عام 1958 حتى 1963. وتنقلت من طالبة للعلم في لندن إلى واحدة من أبرز المهندسين المعماريين الذين غيّروا نظرة الناس للعالم من خلال الأبنية. وقالت زها حديد في الفيلم الوثائقي الذي أنتج قبل وفاتها بأشهر «كنت طفلة فضولية جدا. العراق كان آنذاك مكانا رائعا والناس فيه رائعون والمجتمع منفتح». وأضافت «تعلمت في مدرسة للراهبات. كنت فتاة مسلمة في مدرسة للراهبات. كان وقتا مثيرا للاهتمام في بغداد آنذاك. كانت الحرية حاضرة بشكل جميل. صغيرة أردت أن أصبح مهندسة. كان لأهلي عقل منفتح. وأنا في الثامنة من عمري كنت أختار ثيابي. عام 1972 سافرت إلى لندن».
وفي عام 1975 أسست عملها الخاص. كانت ترسم حتى ساعة متأخرة من الليل. وفي 1983 فازت بمسابقتها الأولى. بعض الذين جرت مقابلتهم في الفيلم قالوا إن كونها امرأة زاد من صعوبة عملها في مهنة كان يهيمن عليها الرجال في العالم العربي. وقال أحد أساتذتها الجامعيين «كان واضحا أنها ستصبح اسما محوريا في تاريخ الهندسة. كان من المستحيل إيقاف مسارها». وقال الأستاذ إلياس زنجاليس «كانت مصدر إلهام.. كانت زها ريادية». ويصور الفيلم جوانب أخرى من حياتها، حيث إنها لم تكتف بالتصاميم المعمارية فحسب بل صممت أيضا أشياء أخرى بدءا من الأثاث ووصولا إلى الأحذية. وقالت أليس مغبغب مديرة مهرجان بيروت للفيلم الوثائقي «الفيلم ممتاز لامرأة ممتازة. الشغل الذي قاموا به لتصميم الفيلم بديع جدا ويصب في خدمتها منذ طفولتها إلى حين وفاتها». وأضافت لرويترز بعد نهاية العرض «لا شك أنها ساهمت في تطور الإنسان وتغيير نظرته إلى العالم». . وقالت ميرنا خوري مديرة العلاقات العامة للمهرجان لرويترز «هذا الفيلم يجعلنا نكتشف ما هي معاناتها وماذا حلمت وكيف صممت. اليوم هذا الفيلم يجعلنا ننظر إلى زها حديد بطريقة مغايرة». ولدت زها حديد في بغداد عام 1950 واستقرت في لندن حتى أصبحت المرأة الأكثر نجاحا في الهندسة المعمارية. هي واحدة من حفنة من النجوم العالميين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة غيّروا نظرة الناس إلى العالم من خلال الأبنية. التزمت زها بالمدرسة التفكيكية التي تهتم بالنمط والأسلوب الحديث في التصميم ونفذت 950 مشروعا في 44 دولة. وتميزت أعمالها بالخيال حيث كانت تضع تصميماتها في خطوط حرة سائبة لا تحددها خطوط أفقية أو رأسية. كما تميزت أيضا بالمتانة حيث كانت تستخدم الحديد في تصاميمها.