عندما يتحدث أو يكتب الدبلوماسي الأمريكي السابق فريدريك هوف عن سوريا، فإن الجميع في واشنطن وكل أنحاء العالم ينصتون لما يقول. قبل انضمامه إلى مركز أبحاث «المجلس الأطلسي» لتولي منصب كبير الباحثين ، عمل هوف في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مسؤولا عن ملف الانتقال السياسي في سوريا بوزارة الخارجية الأمريكية وهو المنصب الذي ربما يكون أحد أصعب المناصب في الحكومة الأمريكية حاليا. كانت مهمته تشمل كل شيء يتعلق بالملف السوري بدءا من إعداد المعارضة السياسية السورية لمرحلة ما بعد نهاية الحرب الأهلية إلى التجول في دول الشرق الأوسط لتعزيز المصداقية الدولية المهتزة لفصائل المعارضة السورية. وفي عام 2012 قرر ترك منصبه الحكومي.
إذا اعتبرنا ما كتبه خلال السنوات الثلاث الماضية يمثل سابقة، فمن المحتمل جدا أن يكون مصابا بالإحباط لآن الحكومة الأمريكية لم تقم بكل ما يمكن القيام به لوقف عنف الديكتاتور الدموي بشار الأسد. الآن فريد هوف خارج الحكومة الأمريكية، ويمكنه أن يقول ويكتب ما يعتقده بالفعل، وقد قام بذلك بالفعل دون تردد. وفي شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في أكتوبر 2013، وصف هوف سياسة الإدارة الأمريكية تجاه سوريا بأنها تستند أساسا على التمني وسقطت في فخ الفتور. وعقب اعتراف الولايات المتحدة بالتحالف الوطني السوري كممثل شرعي للشعب السوري، قال هوف في شهادته أمام مجلس الشيوخ إن على واشنطن «المساعدة في إعداد التحالف لتشكيل حكومة بديلة في الأراضي السورية المحررة، بحيث تكون حكومة ائتلافية موسعة وتحظى بالاعتراف الدبلوماسي والدعم الاقتصادي والمساندة العسكرية الأمريكية والدولية وهو ما لم يحدث أبدا». يعترف هوف نفسه، بأنه كان بطيئا للغاية في إدراك مدى عدم فاعلية وفشل سياسة إدارة أوباما تجاه سوريا. وكتب هوف مقالا في مجلة «بوليتيكو» تحدث فيه عن أمله في إفلات سوريا من الاضطراب السياسي الذي تعرضت له مصر وليبيا واليمن خلال الربيع العربي لو كان بشار الأسد قد تحلى بالحكمة وفتح الباب أمام الحريات الشخصية للسوريين. فقبل نزول آلاف السوريين إلى الشوارع احتجاجا على نظام الحكم المستبد الفاسد وقبل أن يبدأ الأسد في ضرب المحتجين بالرصاص الحي، تحدث هوف عن احتمال أن تستطيع واشنطن «تغيير الاتجاه الاستراتيجي لسوريا» بعيدا عن إيران من خلال توقيع اتفاق سلام شامل بين سوريا وإسرائيل يحل بشكل نهائي الخلاف حول مصير مرتفعات الجولان. الآن يعترف هوف بأنه كان مخطئا في تفاؤله.
كتب هوف «بحلول سبتمبر 2012 عندما استقلت من منصبي في وزارة الخارجية، عرفت أن سوريا قد انزلقت إلى هاوية مجهولة .. وعرفت أن استعداد البيت الأبيض لحماية المدنيين السوريين ضعيف للغاية.» ومر الوقت سريعا وصولا إلى 2016 حيث أصبحت الكارثة الإنسانية في سوريا اليوم أسوأ كثيرا مما كانت عليه عندما ترك هو العمل الحكومي وعاد إلى حياته الخاصة. فقد تم تدمير مدن كاملة، وقتل أكثر من 400 ألف مدني بحسب تقديرات الأمم المتحدة،، كما تم تشريد نحو نصف سكان سوريا، وترتكب كل أطراف الصراع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بشكل يومي، وأعضاء مجلس الأمن الدولي غير قادرين على تنحية مصالحهم المباشرة والمتصارعة من أجل إنقاذ أراوح الرجال والنساء والأطفال من القصف والمجاعات القاتلة التي يعيشون فيها بسبب أشد صراعات القرن الحادي والعشرين دموية.
في الحوار التالي سألت السفير هوف عن اتفاقية الهدنة في سوريا المعروفة باسم «وقف العدائيات» التي تكاد تكون قد انهارت تماما اليوم، وعما إذا كان في مقدور الولايات المتحدة وروسيا عمل شيء لإنقاذ الشعب السوري من هذا الصراع الوحشي، وعما يحتاجه المجتمع الدولي لكي يتوصل إلى اتفاق مع الشيطان نفسه لإنهاء هذه الحرب التي دخلت عامها السادس. وفيما يلي نص الحوار:
اتفاقية الهدنة
* يجب أن أعترف بأن اتفاقية الهدنة السورية التي توسطت فيها الولايات المتحدة وروسيا استمرت أطول مما كنت أتوقع. وقد تراجع العنف بدرجة ملحوظة وتراجعت أعداد القتلى بين المدنيين بشدة وبدأت المساعدات الإنسانية تصل إلى المناطق المحاصرة بوتيرة أعلى كثيرا مما كان الحال عليه قبل دخول الهدنة حيز التنفيذ. فهل كنت متشائما مثلي بالنسبة لهذا الأمر؟
- كانت مفاجأة سارة بالنسبة لي عندما أسفرت الهدنة عن نتائج إيجابية . ورغم أن نظام الأسد يواصل عرقلة وصول بعض قوافل المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة إلى وجهتها، وسرقة الإمدادات الطبية من بعض القوافل، فلا شك أن آلاف المدنيين السوريين المحتاجين حصلوا على ما ساعدهم في النجاة من المجاعة. ولكن الآن يبدو أن اهتمام الروس والإيرانيين بقتال داعش قد تراجع وأصبحت السيطرة على مدينة حلب هي الأولوية بالنسبة لهم. لذلك تبدو الهدنة في مهب الريح، حيث تستهدف طائرات النظام المنشآت الطبية في المدينة المحاصرة بشكل خاص.
استهداف المدنيين
* يبدو أن الهدنة قد انهارت بالفعل. فمئات المدنيين قتلوا في حلب منذ 22 أبريل الماضي. ويبدو أن نظام الأسد قد عاد إلى أساليبه القديمة باستهداف المستشفيات والمناطق السكنية المدنية بشكل متعد. فهل هناك ما يمكن أن تفعله واشنطن وموسكو لكي تعيد الهدنة إلى مسارها الصحيح؟ أن هذا الأمل قضية خاسرة؟
- يمكن لموسكو إعادة الهدنة إلى المسار الصحيح بكلمة واحدة منها إلى الأسد. ولا يعني ذلك بالتأكيد أن الأسد مجرد تابع ينفذ أوامر موسكو. الواقع أن بشار الأسد يتصور أنه أصبح محور الكون وأن روسيا وإيران تحتاجان إليه أكثر مما يحتاج إليهما. لكن موسكو تستطيع إذا أرادت أن تؤكد لقادة الجيش السوري أنه إما أن تهدأ الأوضاع أو ستعلق تقديم المساعدات العسكرية لهم إلى أجل غير مسمى. ولا أتصور أن هذا يمكن أن يحدث. وقد جعلت واشنطن نفسها معتمدة بالكامل على حسن نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذه القضية. لذلك فبوتين هو صاحب القرار في هذه القضية ؛على الأقل حتى الآن. ومع تصاعد حدة العنف وتدميره لفرص التفاوض، فإنه على بوتين أن يتخذ قرارا في هذا الشأن.
حكومة انتقالية
* كنت من أشد المنتقدين لسياسة أوباما تجاه سوريا منذ تركت وزارة الخارجية. وعندما تتحدث عن سوريا ينصت الجميع. أين يكمن خطأ الإدارة الأمريكية؟
- هدف الإدارة الأمريكية هو تحقيق انتقال سياسي عبر التفاوض في سوريا، يتوافق مع نتائج المحادثات الخماسية التي جرت في جنيف في يونيو 2012. هي تريد أن تسفر جولة محادثات جنيف المقبلة عن حكومة انتقالية تقوم على أساس التوافق وتمارس كامل الصلاحيات على الأرض. وشرط التوافق يعني عمليا وضع مصير الأسد في يد المعارضة. وسترحب الإدارة الأمريكية بأي نتيجة لا تشمل الأسد لأنها تريد أن تصبح سوريا جبهة موحدة ضد داعش، في حين أنها تعتبر الأسد بحق عنصر تقسيم وليس عنصر وحدة، خاصة وأن الأسد متهم بارتكاب عدد لا يحصى من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
لكن استراتيجية تحقيق هذا الهدف تعتمد بالكامل على إقناع روسيا وإيران من خلال أسباب وجيهة بأن تنظيم داعش تنامى وازداد حجمه بسبب عمليات القتل العشوائية التي مارسها نظام بشار الأسد على مدى سنوات. والدولتان تدركان ذلك بالفعل، لكنهما ترغبان في استمرار الأسد في السلطة وإن اختلفت أسباب كل دولة منهما. لذلك، فإن سياسات الأسد بارتكاب المذابح والعقاب الجماعي التي تسيطر على غرب سوريا تجعل نجاح المفاوضات مستحيلا. في شرق سوريا تواجه عناصر داعش الضربات الجوية الروسية والسورية والهجمات البرية من جانب المسلحين الأكراد. لذلك فإن الإدارة الأمريكية تواجه أسوأ السيناريوهات في المنطقتين. ففي الغرب لا تستطيع حماية سوري واحد من الجرائم الجماعية التي يرتكبها النظام السوري على مدى خمس سنوات، وواشنطن تتابع بلا حول ولا قوة تجدد العنف ضد المدنيين مما يدمر المفاوضات التي ترغب فيها أمريكا بشدة. وفي الشرق السوري تأمل الإدارة الأمريكية ألا يتاح الوقت لتنظيم داعش لكي ينفذ هجمات إرهابية في سانت لويس أو سياتل أو غيرهما من المدن الأمريكية كما فعل في بروكسل وباريس. لكنها لا تشكل أي قدرات عسكرية على الأرض يمكنها أن تمنع داعش من مواصلة جرائمه. وهنا يكون السؤال هل تمتلك الإدارة الأمريكية استراتيجية واقعية لكي تصل إلى أهدافها في سوريا.
* في تقديرك هل لدى الإدارة الأمريكية خطة بديلة لمواجهة احتمال انهيار عملية السلام السورية في جينيف؟
- أشك أن هناك مجموعة من الخطط البديلة بالفعل، لكن أي خطة منها تحتاج إلى أمر تنفيذي يصدره الرئيس باراك أوباما.
سيناريو المخلوع صالح
* هل يمكن اللجوء إلى سيناريو مماثل لسيناريو التعامل مع الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح بالنسبة لبشار الأسد؟ بمعنى آخر هل هناك فرصة للقبول باستقالة الأسد مقابل العفو عما ارتكبه من جرائم خلال السنوات الخمس الماضية؟ أم أن هذا خيار مثير للسخرية؟
_ إذا قرر الأسد وأركان نظام حكمه التخلي عن السلطة ومغادرة سوريا، اعتقد أن المعارضة السورية ستعطيه ضمانات الحصانة التي يريدها. لكن المشكلة العملية تكمن في عدد الأفراد الذين يمكن أن تشملهم الحصانة ورد فعل هؤلاء الذين لن تشملهم الحصانة من رجال نظام الأسد. الأسد يعرف أن موظفي الدولة المدنيين في نظامه لديهم أطنان من الأدلة التي يمكن أن تدينه خارج البلاد وأن هذه الوثائق والأدلة ستتحول في وقت لاحق إلى ملاحقة قضائية دولية له من جانب المحكمة الجنائية الدولية. لذلك فهو ربما يعتقد أن بقاءه في السلطة ولو في جزء من التراب السوري هو أفضل خيار بالنسبة له. ثم إن المشكلة في سيناريو علي عبد الله صالح هي أنه أدى إلى تدمير اليمن وليس إلى استقراره.
- دانيال آر. دي بيترس