علي عبدالله المفضي
لا أحد ينكر أن التراجع في مستوى العمل الإبداعي لم يعد مقتصراً على فنٍّ دون آخر فلو أخذنا الشعراء كمثل فلم يعد أحدهم ذلك المبدع الذي يهمه أن يظهر بمستوًى راقٍ كما كان في السابق حين كان لا يسمح بوصول قصيدته للناس قبل أن ينقِّحَها ويفحصها جيداً وبعرضها على من يثق برأيه حرصاً على التميز والحفاظ على مظهره من خلال نصه الذي يُعدُّ جزءاً من شخصيته.
وقد اختلف الوضع كثيراً عما كان عليه سابقاً فالقصيدة لم تعد تلك التي كنا نقرؤها وتبقى راسخة في الأذهان لما تحمله من رقيٍّ في اللفظ والمعنى والتناول أما اليوم ففضلاً عن الرداءة في القيمة الأدبية والفنية لا غرابة أن تقرأ قصيدة غزلا كانت أم هجاءً إن لم تكن فاضحة جريئة ففيها من الإيحاءات الخادشة ما ينوب عن التصريح وحين تناقش أصحاب ذلك المنهج أو مؤيديه يدَّعي ظلماً وبهتاناً أن الجمهور هو من يدفع الشاعر إلى ذلك بتشجيعه. والجمهور إن كان فيه عدد قليل ممن يرغب في هذا التوجه فهو ضحية لفكر الشاعر المتجاوز لأدبيات الشعر الذي يعتبر سيد الآداب، فالشاعر الحقيقي من يحقق المتعة لجمهوره بقالب من الفضيلة والرقي والجمال، وقد يقول قائل: إن قيمة الشعر في انطلاق الشاعر في سماء الإبداع دون تقييد متجاهلاً أن هناك فرقاً كبيراً بين الإبداع والانفلات ومخاطبة الغرائز وإذكاء الرذيلة، وأنا هنا لا أعمِّم الحالة فالكثير من الشعراء بعيدون كل البعد عن تلك الممارسات السيئة ولكن القلة العابثة قادرة على إفساد الشعر وتفريغه من قيمته العالية.