قراءة - عبدالرحمن بن سائر العواد الشمري:
لا أُبالغ إن قلت بأن القيادة كفعل اجتماعي- إداري يُلقي بالكثير من المسؤوليات والتبعات على ممارسيه - فضلاً عن الأتباع - وإنها تبلغ أشدها عندما يكون الأمر مرتبطاً بقيادة الأوطان أياً كان هذا الوطن وموقعه الجغرافي في هذا الوجود الفسيح. إن تلك القيادات التي تؤمن بالبناء وإعمار الأرض يكون مستوى سلوكها - أدوارها ومواطنوها في هذا الوجود مختلفاً كل الاختلاف عن تلك التي تمارس أدوار الهدم والتدمير. ثم من التوفيق والسداد لكل وطن بكل ما فيه من مكتسبات سواءً كانت إنسانية - مادية أن يتبوأ عرش القيادة فيه رجال يعملون على ضبط توجيه البوصلة إلى الاتجاه الصحيح ثم يمارسون الدعم والتوجيه والمتابعة والتحسين والتطوير وحسبك من هذا أهمية لهؤلاء القياديين، ولذلك يذهب ماثيو أرنولد (Matthew Arnold) إلى أن التحسين المجتمعي والدعوة الحميدة إلى السلام سوف تقع بشكل بديهي ضمن مسؤوليات نخبة من أسمى الناس تعليماً. وهذا بالضبط ما نعتقده في القيادة الجديدة لوطننا المملكة العربية السعودية.
النظرية الاجتماعية
إن من المدرك سلفًا بأن النظرية الاجتماعية هي أداة تحاول تفسير الظواهر الاجتماعية وكلنا يقف اليوم شاهدًا على الحراك الكبير لقيادتنا المباركة بقيادة القائد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - رعاه الله - وإننا في هذا الإطار من القراءة السوسيولوجية نريد التركيز على الجوانب المتحركة أكثر من الجوانب الساكنة خلال فترة الحكم الأولى (أكثر من سنة) وسيتوجه حديثي في هذه القراءة إلى النظر والتأمل في الماكرو سوسيولوجيا - الظواهر العامة ومتجاوزاً الميكرو سوسيولوجيا - ما يتعلق بحياة الفاعلين وإن كانت الأمور ذات ترابط بشكل أو بآخر. ولذلك يقول (يان سبورك): إن ما يهم علم الاجتماع ليس مجموع الشظايا والأفراد وأنشطتهم بل الطابع الاجتماعي للعلاقات المتشيئة في العالم الاجتماعي وأصلها ودلالاتها, هذه العلاقات التي تصنع الأفراد كما أن الأفراد يصنعونها. هذا وإن عملية هذه القراءة السوسيولوجية تتلمَّس؛ تتبع خيطاً رفيعاً بحيث تعود مآلاته إلى التمسك بمفهومين أراهما حاضرين بشكل قوي جداً في أحداث السنة الأولى من الحكم، وهما مفهوما الارتداد والاسترداد.
القراءة الأولى
ظاهرة الإرهاب وبلا شك تستوجب منا كُلَّ حين وآخر التمعن فيها وقراءتها أيًا كان مُنْتِجُها وداعمُها؛ إيران أم داعش أم إسرائيل والأمر الذي استحثَّ هذه القراءة هو تلك الممارسة التي انتهجها الدواعش؛ وهي استقصاد أشخاص معينين في أرض المملكة العربية السعودية وقتلهم، وهنا ناقوس خطر مجتمعي يجب أن يرفع ويسمع صوته ويتكاتف في معالجته الجميع فإذا تمت الممارسات باستحلال قتل الجنود والضباط في قواتنا المباركة، فما أسهل أن يتم ذلك في صفوف المدنيين - ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا ونحن نتحدث عن المدنيين ما حدث للداعية عايض القرني, نعم كانت الأحداث خارج البلاد, ولكن الفكرة سيّارة وسرعان ما تنتقل إذا ما وجد لها تصور ومنتج ومنفذ، فما حدث هناك يمكن أن يحدث لكل أحد هنا في مملكتنا -، وفي تصوري بأن من أخطر ما تنتجه مثل هذه الحركات هو أفكارها المغلقة التي لا تقبل أي نقاش ورأيها صواب دائماً والويل والثبور والقتل لمخالفها وآيات الكتاب المقدس وأحاديث سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام هي ما يدعمون بها فتاواهم ورؤاهم، وإذا كانت داعش تمتلك منصة إعلام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومتابعين وتأثيراً فقل نفس الشيء عن إيران حيث لها متابعون وتأريخ وتأثير ونفوذ ولعلنا نرجع بعض الشيء إلى تلك الأحكام الشرعية والتي تم تنفيذها في حق (47) من الجناة الإرهابيين، وسأخصص الحديث فقط عن جانب واحد من خلال مفهومي الارتداد والاسترداد وما أعنيه بمفهوم الارتداد هو أن مهندسي القرار في دولة الثورة على حد تعبير وزير الخارجية السعودي والتي دعاها إلى أن تنتقل إلى مربع الدولة أرادت القيام باستغلال تنفيذ الأحكام الشرعية وعكس النتيجة علينا ويكفيك هذا الاستعلاء من ثورييها في خطابات التوعد والترهيب حتى ولكأن السعودية أطلقت صواريخ عددا؛ على أراضيها وهنا يتضح فعلاً المثال القائل على مقدار الألم يكون مقدار الصراخ،، ويبدو أن الحجم الذي كان يملؤه نمر باقر النمر فوق؛ فوق ما يمكن أن يتصوره أحد والجميل الرائع أن تكون في ظل قيادة حكيمة تحسن إدارة الأحداث بتكبير الأرباح وتقليل الخسائر، وهذا بالضبط ما فعلته قيادة بلدنا المبارك بقيادة خادم الحرمين الشريفين حيث فعّلت مفهوم الاسترداد فكانت الثمار والنتائج عكسية تماماً على إيران وثورييها بالضبط بعكس الارتداد الذي أرادوه علينا لما نفذت تلك الأحكام. إن إرادة ثوار إيران توتير الشأن الداخلي لبلدناباءت بفشل مدوٍ ولا أدل على ذلك من اعتراف المرشد الأعلى الإيراني علي خامئني قائلاً: إن الهجوم على السفارة السعودية عمل ضد البلاد والإسلام ولم أرض عنه.. وما كان ذلك ليتحقق لو لم يكن الوعي السياسي للقيادة في المملكة العربية السعودية وبمتابعة دقيقة من خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمير محمد بن نايف، وولي ولي عهده الأمير محمد بن سلمان أعلى بمراحل كثيرة مما أراده مشاغبو إيران حيث قاموا من حيث حزمة تصرفات عقلانية باسترداد الأمر عليهم مرة ثانية بامتياز وذكاء متقدم، وهنا ما نريد التأكيد عليه بأن إيران أرادت إشغالنا وقلب الأمور علينا ولكن بتوفيق من الله وحكمة قيادة محنكة ورشيدة تم استرداد ما أرادوه عليهم وما زال يعمل أعماله في أنحاء العالم. إن كل ذلك تم بشكل واضح أمام الجميع، ولكن ما أخشاه أن يكون هناك ارتدادات غير ظاهرة لنا في الوقت الحالي على أقل الأحوال فماذا أعددنا لها من عدة؟ نعم إننا في وقت لا يسمح فيه بالتراخي ولا التهاون فاللاعب له شأن في إدارة مثل هذه الأحداث بشتى مسالكها الثورية والسياسية والدينية. وما سبق كله يدخلنا إلى الأفكار المغلقة التي بدأت تستقصد رجالات أمننا فأين يا ترى نبتت؟ وكيف أينعت؟ وأين تم استلهام أفكارها؟ والأعجب الأغرب في كل ذلك أن الفاعلين لها هم أقارب الضحايا!! إنها مفارقات عجيبة حتى إنها تجاوزت مفهوم النسق الثقافي والمليئة فيه جداً تصرفاتنا والمكتنز بكثافة في تصرفاتنا الواعية واللا واعية، فالقبيلة على سبيل المثال هي فكرة أقوى من العقل لشدة رسوخها في الأذهان، ولذلك يتم ثقافياً الدفاع عن أخطاء أبناء القبيلة وتصغيرها حتى وإن كانت من الكبائر، وما كان ذلك إلا لقوة النسق في ذاكرتنا الاجتماعية وهنا الأمر العجيب أن حالات القتل تمت كما أسلفت من أبناء القبيلة لأبناء القبيلة. فكيف تم إبطال قوة النسق!!؟
القراءة الثانية
التوجهات الجديدة للقيادة السعودية وممارسات سياسات العمل الجماعي تأتي لتمارس دور الاسترداد للقوة المتشتتة - المفقودة فانطلق أول تطبيق عملي لعمل جماعي من خلال عاصفة الحزم بمشاركة تحالف دولي مكون من عشر دول وبوقت وجيز ثم يستمر التوجه - ليأتي بما هو أكبر حتى لكأنها كرة ثلج كلما تقدمت في المسير كَبُرَ حجمها - فتم ببناء تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب والذي يضم أربعين دولة مسلمة، وهنا تصوروا الحجم الكبير الذي قامت به هذه القيادة الفذة والفاعلة لتجمع أربعين دولة - وهذا كله في السنة الأولى من الحكم - إنه فعلاً عمل جبار ويبعث على الافتخار ويستمر التوجه كذلك في انطلاقته المباركة، وها نحن من قبل كنا نعيش زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى كل أرض الكنانة؛ مصر الخير والبركة وبعدها مباشرة إلى تركيا ذات القوة الخلاّقة والجميع يدرك بأن المنطقة مرت بأزمات واشتدت بها الرياح إلا أن زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الميمونة إلى مصر جاءت لتدعم السلام ولتتجاوز بعض الخلافات ولتتوافق في الرؤى ولتؤسس لمنطلقات جديدة ولتقطع على كل معاول الهدم محاولاتهم في إذكاء نار الخلافات والتشويش والمشاغبات وهل أدلُّ على ذلك من كلمة خادم الحرمين الشريفين أمام مجلس النواب المصري وتأكيده على أهمية وجود أوطان عربية وإسلامية متماسكة فكرياً وعسكرياً وثقافياً وأن مصر شقيقة للمملكة في العمل والبناء والعلاقات الراسخة والتاريخية. ولا يتوقف الأمر عند تلك الكلمات فقط ولكن نلاحظ امتلاء برنامج الزيارة آنذاك بالكثير من الاتفاقيات والقرارات والفعاليات التي تصب في مختلف الاهتمامات للجانبين السعودي والمصري على حدٍّ سواء. ثم جاءت الخطوة الرمزية التي لا يفعلها إلا العظماء فنرى خادم الحرمين الشريفين ينتقل مباشرة من القاهرة إلى أنقرة بالرغم من وجود كم كبير من الأجواء الجافة جداً حد التقاطع بين الجمهوريتين العظيمتين المتخاصمتين مصر وتركيا، ويبدو أن ذلك ما كان ليكون - التحرك بين القوتين العظيمتين - لولا هذه القوة العظيمة التي يقف عليها خادم الحرمين الشريفين وينطلق منها. وكأننا نقرأ أيضاً من كل ذلك إمكانية أن يكون هناك عمل جماعي جديد يجمع القوى العظمى في المنطقة.
(السعودية - مصر - تركيا) ذلك الثلاثي القادر على التأثير الإيجابي في المنطقة والقادر كما يقول الكاتب زياد الدريس على ضبط درجة الحرارة السياسية للرجل المتوتر (الشرق الأوسط). ثم إن التجاوب الكبير والحفاوة الظاهرة في الاستقبالات في الجمهوريتين العظيمتين كانت تشير إلى الدور الفاعل جداً في السياسات السعودية العظيمة هي أيضاً لعهد الحزم التي تقف دائماً في مربعات التوفيق والتوافق وتحقيق المصالح وفي المقابل لن توجد نفسها في مربعات الصراع. إن كل ذلك يمهد لدور الاسترداد لما تتطلع له شعوب العالم العربي.
القراءة الثالثة
رؤية السعودية (2030) هي رؤية بدون أدنى شك مليئة بالطموح, فماذا يحتاج شعب يمثّل 70 % من تعداد سكانه سن الثلاثين؛ إلا لرؤية تشحذ هممهم وتقوي عزائمهم وتحدد مسيرتهم وتقول لهم موعدكم يوم الزينة عام (2030) ذلك اليوم الذي تنتقل فيه السعودية إلى مرحلة ما بعد النفط ببرامج متنوعة تنموية اقتصادية -اجتماعية. أو ليس عندما تتضمن هذه الرؤية في ركائزها الثلاثية؛ الاقتصاد المزدهر والمجتمع الحيوي والوطن الطموح إنما هي تخلق فرص القوة للجانبين أعني الحكومة - بين الحكومات - والشعب - بين الشعوب - وإنني على يقين بأن هذه الرؤية إنما هي تخلق مسارًا جديداً للوطن بكل مقوماته وعندما نعود إلى مفهومنا الذي انطلقنا منه وهو مفهوم الاسترداد سنجد أن هذه القيادة برؤيتها العميقة إنما هي تعمل بهذا المفهوم في هذه الرؤية فكلنا يعلم - على سبيل المثال- بأن المملكة تمتاز بوفرة بدائل الطاقة المتجددة، وفيها ثروات معدنية متعددة كالذهب والفوسفات واليورانيوم وغيرها فعودتها إلى تفعيل هذه الثروات وعملها بهذا المفهوم إنما هو استرداد قوة هذه الثروات فيما يعود على تقوية البلد وأهل البلد. إنني وكما قلت لكم في بدايات هذه القراءة السوسيولوجية بأن مآلات الأمور تتمسك بمفهوم الاسترداد والارتداد - ومرة أخرى أذكّر بأن كل ذلك تم في السنة الأولى من الحكم - والنماذج التي تؤكد ذلك متعددة ولكن حسبنا رصد وقراءة لبعض تلك النماذج. ولنتذكر أنه بحسب أثر الفراشة يمكن لسبب صغير أن يولِّد أثراً كبيراً. كالفكرة التي تقول إن رفة أجنحة فراشة على مستنقع في سيدني يمكن أن يحدث إعصاراً في فلوريدا. وهذا ما نتوقعه بأن هذه الرؤية المباركة سيكون لها أثر في كل أنحاء العالم حكومات ومؤسسات وأفراداً. وأخيراً غاية ما نأمله بعد هذه القراءة السوسيولوجية تنوير القارئ الكريم بأهمية الدور القيادي الذي تمارسه القيادة في بلدنا المبارك في هذا الوقت بالتحديد الذي تغلي فيه المنطقة بالكثير من الحروب والصراعات.. فكم أنت مبارك يا سلمان الحزم بأن يكون كل ذلك على يديك ومن خلال توجهات قيادتك. ولتجري الإرادة الإلهية خيريتها على توجهاتك وتحركاتك ولنتبارك بالعناية أجمعين.