بظاهر يده اليسرى نحى سكرية فضية كانت تشكل نتوءا ظاهرا يقتحم المسافة بينهما.
هكذا يبدو وجهك أكثر إشراقا..
انتزع جملته من الصمت الكثيف وشفعها برشفة قهوة.
مع انثيال ضحكتها تشقق الصمت، وانحسر الوجود في الضفة الأخرى من الليل، حيث كانت تجلس أمامه كأغنية بكر تسربت للتو من قيثارة ملائكية تعزف لحن الحزن، والحلم، ثم طفقت تقطف نجوم السماء وتعصرها بين يديه، وتريق بقية الليل على أعتاب سمعه، كانت متفوقة على حزنه وحلمه، لكنه قد جفل من أحلامه بعد أن شرعت في الاصفرار، واحدودب ظهرها.
كان قد اعتاد رقصة الحزن!!
بحزن ناي كان يتلمظ قهوته مطرقا، وينصت إليها بقلب مخدوش، كان يدرك أن القهوة عشق محرم كعشق الشاعرات، يعطب القلب بسرعة، ففاتحة القهوة نوبة دوار لذيذ، تغتال وقارك برفق، وتسبي جدية ملامحك، ذاك الدوار المحشو بالدهشة هو أول ما تهديك إياه الشاعرة !!
كان يدرك أن التعلق بكوب قهوة أو بشاعرة أشبه ما يكون بصلاة خاشعة، على جبل جليدي، قرب خط الاستواء.
إيمانه المحض بأن قلبه على حافة العطب لم يزرع بثور القلق على وجهه، بل ربما راقه، لأنه يدرك أن قدرا موازيا كان ينتظره، فالقهوة تهبه الليل، والشاعرة تهبه لليل.
ومع هذا فقد كان لديه حزن فاسق يحرضه على الإفاقة لكنه كان متهتكاً يؤمن بشيء ويفعل شيئا آخر.
تناول رشفة أخيرة من قهوته ورمق الكوب بنظرة عابرة قبل أن يعترضه الصحو، وحين أفاق كان وحيداً من كل شيء عدا كوب قهوة كان يقاسمه الطاولة وينضح بالفراغ إلا من وجهه الذي كان يغرق في القعر دون أن يثير أدنى جلبة، والخيبة تتشبث بأطرافه لتمنحه رهقا إضافيا يضمن له البقاء في القعر لعدة شهور قادمة.
- حسن رحماني