حينما بدأ مشروع الملك عبدالله، يرحمه الله، للابتعاث سعى كثير من الشابات والشباب لاقتناص فرصة التعلم والارتقاء في جامعات عالمية متميزة، ولاشك أنهم، رغم قلة خبراتهم، كانوا يتوقعون مواجهة صعاب مختلفة وعقبات قد تفاجئهم في الدول التي سيلتحقون بجامعاتها.
وكانت ألمانيا من الخيارات المتاحة لإكمال الدراسات العليا في الطب وطب الأسنان، وبدعم من حكومتنا متمثلة بالملحقية الثقافية استطاع كثير من المبتعثين إنجاز مرحلة هامة من مسيرتهم العلمية.
الآن، بعد حصولي على البورد الألماني في تخصص الأنف والأذن والحنجرة، أشعر بالامتنان لهذا الوطن الكريم بعطائه، وأشعر بالشكر العميق لكل من كان رافدًا وداعمًا لنا لتخطي الصعاب، التي كان بعضها مفاجئاً وبدا خارج صلاحيات وقدرات الملحقية.
تعتبر ألمانيا أحد أهم الوجهات للأطباء السعوديين للحصول على التدريب الطبي والزمالة في مختلف التخصصات.
كان الحصول على التدريب الطبي مشروطًا بإتقان اللغة الألمانية وأن يكون للطبيب جهة تتحمل التكاليف المادية، أي أن يكون لديه بعثة من أي جهة حكومية. ولكن في مرحلة حاسمة من دراسة الأطباء تغيّرت العديد من الأنظمة والقوانين التي تخص الطلاب الأجانب، بدأت الأمور تتعقد، بإضافة شروط جديدة، أولها كان اختبار معادلة الشهادة، والذي فُرِض على الجميع حتى ممن أكملوا معظم مدة التدريب، فأجبرتهم المستشفيات على التوقف.
فأصبح الطبيب السعودي غير قادر على بداية التدريب أو الاستمرار فيه إلا بعد الحصول على شهادة المعادلة الألمانية.
هنا قامت الملحقية الثقافية بالتنسيق والتواصل مع المستشفيات، وتم تسجيل جميع الأطباء السعوديين في دورات تحضيرية لاجتياز الاختبار وتم تحمل التكاليف من قبل الملحقية.
بعد ذلك حصل تغيير جذري بضغط من الجهات الحكومية العليا المنظمة لعمل الأطباء في ألمانيا، وذلك بإيقاف العمل بالعقود المخصصة للأطباء الأجانب، وإلزامهم إما بتغيير عقودهم إلى عقود عمل مساوية للأطباء الألمان، بمعنى أن يكون الراتب الشهري على نفس سلم الرواتب للأطباء الألمان، مضافاً إلى ذلك دفع جميع التكاليف الأخرى المترتبة على أي موظف ألماني، من تأمين التقاعد والضرائب والتأمين الاجتماعي وغيرها، أو إنهاء عقد الطبيب الأجنبي بدون النظر إلى مدة سريان العقد الحالي أو المشاكل المترتبة على ذلك أو الاضرار التي ستلحق بمسيرته العلمية.
هنا أصبح مصير آلاف الأطباء الأجانب على المحك، وأقيمت عدة دعوات لإعادة النظر في القانون الجديد ولكن دون جدوى، مما اضطر عددا كبيرا من الدول إلى انهاء ابتعاث أطبائها وعودتهم بدون تحقيق مبتغاهم وحتى قبيل حيازة شهاداتهم، وذلك لارتفاع التكاليف بدرجة كبيرة تفوق الضعف، وصعوبة إعادة العقود.
بالنسبة للأطباء السعوديين كان هذا القانون الجديد محل اهتمام بالغ من الملحقية الثقافية لأنه يعيق مواصلة دراستهم بعد اجتياز عدة سنوات. لقد أثبتت الملحقية ممثلة بالملحق الثقافي الدكتور عبدالرحمن الحميضي وفريق العمل التابع للملحقية كفاءتهم وجدارتهم في التصدي لهذه المشكلة المعقدة التي ما كان حلها ممكناً دون جهود فائقة تتفهم شروط الحكومة الألمانية المركزية، وتشرح في الوقت نفسه الأضرار الناجمة عن تلك القوانين في حال جرى تطبيقها بحذافيرها على الأطباء المبتعثين.
الملحق الثقافي وزملاؤه قاموا بعمل جبار يشكرون عليه، حيث عقدوا عدة لقاءات ومشاورات مع الجهات العليا المنظمة لعمل الأطباء في ألمانيا، كان عملاً مضنياً احتاج لاستشارات قانونية لتجاوز عقبات إدارية ومالية في القوانين الألمانية الجديدة المتعلقة بعمل وتدريب الاطباء الاجانب.
أثمرت الجهود المخلصة عن توقيع عقود مع أهم المستشفيات الألمانية لاستمرار تدريب الأطباء السعوديين وحفظ حقوقهم وأهمها الاستمرار حتى نهاية الدراسة.
لم يكن سهلاً تجاوز هذه العقبة التي أخذت عدة شهور وأقلقت المبتعثين وكادت تعطلهم، لكن الجهود الجبارة المبذولة من الملحق الثقافي الدكتور عبدالرحمن الحميضي، وفريق عمله نجحت في تجاوز عقبة كأداء ما كانت تدور بخلد المبتعثين.
أكتب مقالي هذا لأقدم خالص الشكر لما بذله الدكتور الحميضي وفريق الملحقية من جهود على جميع الأصعدة، لقد كان قادرًا أن يكون قائدًا يبث النشاط ليس في فريق عمله من موظفي الملحقية بل والأمل في المبتعثين لتجاوز عنق الزجاجة، تلك العقبة الإدارية والقانونية التي وقعت عليهم وإن لم يكونوا مقصودين بها تحديداً.
لقد لاحظت منذ استلام الدكتور الحميضي عمله ملحقاً ثقافياً تطوراً واهتماماً في استجابة وفعالية موظفيها لمساعدة المبتعثين الذين يقضون معظم نهاراتهم في المستشفيات وتفاجئهم عقبات لا يسهل حلها بدون نشاط الملحقية.
لقد استطاع تذليل عقبات حرجة مر بها جميع الأطباء الأجانب في ألمانيا، يستحق الشكر والتقدير فبفضل جهوده المبذولة نجونا ونجحنا.