البدائع - عبدالله الدهامي:
المباني الطينية القديمة المتهالكة في محافظة البدائع أضحت محل شد وجذب، فهناك من يرى ضرورة ترميمها وحفظها بوصفها قيمة تراثية تستحق العناية، وبين من يراها مصدر خطر يهدد المواطنين والمقيمين من حولها بعد أن تركها أصحابها آيلة للسقوط ويجب إزالتها.
عدد من الأهالي والمسؤولين في المحافظة تحدثوا لـ«الجزيرة» حول هذا الموضوع، فتعددت الآراء والإفادات، فالذين يؤيدون بقاء تلك البيوت الطينية قالوا: إنها رمزًا لتراث أجدادنا ومنجزاتهم، وذات قيمة حضارية يجب النظر إليها بعين الاعتبار وإعادة ترميمها، بينما يتبنى أصحاب الرأي الآخر الإسراع في هدمها قبل أن تصبح أوكارًا لممارسات مخالفة، ومأوى للحيوانات الضالة، مما يجعلها تشكل خطرًا على قاطني الأحياء المجاورة لها.
وبين مؤيد ومعارض لوجود تلك المباني الطينية بين الأحياء هناك من انتقد البلدية بسبب عدم تأهيل تلك المنازل الطينية بالطريقة التي تعكس الطراز المعماري التراثي الصحيح، وأنها استعانت بعمالة غير متخصصة في ترميم بعض البيوت الطينية فشوهتها بدلاً من أن تجملها وتعيد صياغتها.
هناك أسئلة كثيرة دارت في هذا التحقيق من بينها: فكرة إعادة تأهيل تلك البيوت الطينية والاستفادة منها كحي تاريخي وترفيهي يعكس حضارة المحافظة كما تم في بعض المحافظات الأخرى.
يوجد في محافظة البدائع نوعان من المباني الطينية كما قسمها رئيس المجلس البلدي السابق في محافظة البدائع فلاح القصيري، حيث أفاد أن هناك مباني طينية تم تصنيفها على أنها تراثية، وهي التي يجب ترميمها وعدم إزالتها، وهناك بيوت آيلة للسقوط أو غير محصنة من قبل أصحابها أو مهجورة وهي ليست طينية بل شعبية بنيت قبل 40 عامًا وهذه يجب إزالتها.
وبين القصيري أن المجلس البلدي في دورته السابقة قد عقد شراكة بين أصحاب البيوت الطينية والهيئة العامة للسياحة، وكانت الانطلاقة من البيوت الطينية في «العبيلة» لكثرتها ولعدم وجود حراك تجاري حولها، وقال: «قدمنا خطوات مهمة في هذا العمل، وتقوم هيئة السياحة بالتعاون مع البلدية الآن بالترميم».
وفيما يتعلق بالبيوت الشعبية الآيلة للسقوط، يرى القصيري أنها بالفعل أصبحت تشكل خطرًا على المواطنين ممن حولها، أما الطينية الآيلة للسقوط وغير المحصنة، فهو يرى أهمية تشكيل لجنة لدراسة وضعها.
طمس الهوية
واعتبر القصيري أن تفريغ المحافظة من البيوت الطينية يعد طمسًا لأصالتها وتاريخها القديم وحتى لو لم يبق منه إلا جزء يسير فيجب إعادة بنائه ويكون متحفًا أو ما شابه ذلك وهناك تجارب قريبة، كما هو في محافظات أخرى منها: شقراء المذنب، الخبراء. وقال: «يمكننا الاستفادة من هذه البيوت الطينية بطريقة مبتكرة وإضافة المزيد من الأفكار الجيدة».
وأضاف: «البيوت الطينية في البدائع بشكل عام يجب حمايتها وإنني ضد هدمها تمامًا».
اجتهادات البلدية
وفي السياق ذاته انتقد إبراهيم الفرحان وهو عضو سابق في المجلس البلدي، أعمال الترميم في «العبيلة القديمة»، واصفًا إياها بـ»المتواضعة». وقال: «على الرغم من أنها خطوة في الطريق الصحيح إلا أنه يشوبها الكثير من القصور، فهي لا تعدو كونها اجتهادات شخصية من عمالة البلدية تقوم بتنفيذ أعمال الترميم وهي لا تتقن أبسط أساسيات العمل في ترميم طراز المباني الطينية القديمة».
وذكر الفرحان أنه كان يجب أن يتم إسناد أعمال ترميم المباني الطينية التراثية إلى جهات مؤهلة أو يتم تحت إشراف أصحاب الاختصاص والخبرة حتى يتم إبراز جماليات هذه المباني وبالتالي توظيفها كمعالم سياحية تعبر عن البدائع وماضيها.
وفي الوقت ذاته يعتقد الفرحان أن الغالبية العظمى من مالكي تلك المنازل الطينية الآيلة للسقوط لا يرغبون في ترميمها وإعادة تأهيلها لتكون مباني تراثية، لأن ذلك حتمًا سيعطل عليهم منفعتها، إذا ما أرادوا بيعها، حيث إنها لن تكون صالحة للسكن، كما أنه يصبح من الصعب إزالتها بعد تأهيلها.
تحصين أو إغلاق
ويوجد لجنة تضم أعضاء من: البلدية، المحافظة، الشرطة، والدفاع المدني، تتولى مهمة التواصل مع أصحاب المنازل الطينية الآيلة للسقوط في حالة ملاحظة استخدامها في تجمعات وممارسات لسلوكيات مخالفة لدى بعض الشباب أو العمالة الوافدة ويدعونه لتحصينها أو إزالتها، وفي حالة رفض صاحب العقار ذلك يؤخذ عليه تعهد بإغلاق الموقع وتحصينه ويتحمل عاقبة ما يقع فيه من مخالفات سلوكية وأمنية وغيرها.
شوهت جمال المدينة
في المقابل يرى خالد العامر ـ من أهالي البدائع ـ أن المباني الآيلة للسقوط ظاهرة موجودة وأضرارها كثيرة وفيها تشويه لجمال المحافظة، كما أن لها آثارًا سلبية من الناحية الأمنية، فضلاً عن كونها مأوى للحيوانات الضالة التي تشكل خطرًا على قاطني المنازل المجاورة.
وفيما ثمن العامر الجهود التي تقوم بها البلدية من أجل رسم صورة جميلة للمحافظة، إلا أنه لفت إلى أهمية إكمال هذه الجهود وجمال المحافظة في معالجة المباني الطينية والشعبية الآيلة للسقوط، وقال: «فبدلاً من أن تكون تلك المواقع طاردة ومنفرة وفيها خطر على الناس، لماذا لا نجعلها موقعًا للتراث وسوقًا شعبيًا جاذبًا للزوار».
وتساءل العامر عن أسباب بقاء مباني مهدمة بهذا الشكل؟، خاصة أنها أصبحت تعد مصدر خطر على المارة من حولها وتجلب ضررًا للأهالي وتشوه جمال البدائع وتجلب التلوث البصري للإِنسان. مطالبًا جميع الجهات المعنية بضرورة التعاون من أجل معالجة مشكلة هذه المباني وتحويلها إلى مصدر جمال للمدينة وليس العكس.
منجزات الأجداد
من جانبه قال لـ«الجزيرة» رئيس المجلس البلدي في محافظة البدائع مشعل الحربي، أشدد على يد جهود البلدية في إعادة تأهيل المباني الطينية في «العبيلة» وقال: «إن هذه البيوت الطينية هي تراث محافظتنا ويستحق منا التطوير والتحسين حتى لو كان بالجهود الذاتية والخدمات والإمكانات المتاحة لدى البلدية، على نفس النهج المتخذ حاليًا لمنطقة العبيلة القديمة.
وأعتبر الحربي بيوت الطين بأنها إحدى فنون العمارة القديمة التي تعكس التطور الحضاري للأهالي في الزمن القديم، وقال: «على الرغم من صغر مساحتها فهي استوعبت واحتضنت أكبر ما تستوعبه بيوتنا الحالية حديثة الطراز»، معبرًا عن حنينه لتلك البيوت الطينية التي لطالما تذكره بالماضي الجميل وما تحمله بين جدرانها من عراقة وأصالة.
محل بحث ونقاش
وبعد أن انتهى رئيس المجلس البلدي من استعادة شريط الذكريات في حديثه عن البيوت الطينية القديمة وما تضمنته تلك المواقع من منجزات للآباء والأجداد، وعد «الجزيرة» بأن المجلس البلدي سيتخذ بشأن هذه البيوت الطينية القرار النافع بعد التواصل مع ملاكها سواء بترميمها وإعادة تأهيلها أو غيره ذلك، مؤكدًا أن هذا الأمر محل بحث ونقاش على جدول أعمال المجلس البلدي، مؤملاً أن يتخذ فيه قرار يخدم المحافظة وأهلها.
مراعاة أنظمة الإزالة
وعلى الجانب الرسمي أكَّد لـ«الجزيرة» رئيس بلدية البدائع يوسف الخليفة، أن هناك بالفعل لجنة تضم أعضاء من: المحافظة، البلدية، والدفاع المدني، تتولى دراسة هذه المشكلة بين حين وآخر، مبينًا في الوقت ذاته أن إزالة تلك المباني ليست بالأمر الهين، إِذ إنه يوجد إجراءات معينة يلزم اتباعها في مثل هذه الحالات من خلال الحرص والتثبت والتريث والبحث عن أصحاب تلك المباني ومخاطبتهم والتواصل معهم، ومن ثم حصر العمل إما بالإزالة أو التحصين أو الترميم.
وشدد الخليفة على أهمية اتباع الإجراءات النظامية في معالجة تلك المشكلة، حيث يتم وضع لوحات تنبيه أمام المنازل الآيلة للسقوط لمدة طويلة، وإذا لم تتم المراجعة تتم الإزالة والتنفيذ يكون عن طريق البلدية، ولا يتم إزالة أي مبنى بشكل عشوائي لما لذلك من نتائج سلبية، مكررًا أهمية مراعاة الأنظمة في مثل هذه الحالات. وقال: «نحن ضد إزالتها متى كان هناك إمكانية للترميم ولنا تجربة متميزة في «العبيلة القديمة»، حيث تم ترميم البيوت وإعادة تأهيلها وقد عاد لها وهجها وسيتم تقديمها خلال الفترة المقبلة».
لا توجد خطورة حالية
من جهته قلل مدير إدارة الدفاع المدني العقيد سامي الزيداني، من خطورة تلك المنازل الطينية، معتبرًا أن عددها قليل جدًا ووصفها بالنادرة، وهناك لجان تشكل دائمًا لهذا الغرض وتقوم بمهامها وتتم معالجة المشكلة في حينها.
دور فعال
وعزا الزيداني أسباب وجود تلك المنازل الآيلة للسقوط إلى هجر البعض من الأهالي لتلك المنازل كونها في أحياء قديمة قد غادر أبناؤها إلى أحياء جديدة وبقيت تلك البيوت بعد أن توفي أصحابها ونتيجة وجود عدد كبير من الورثة لم يتم الالتفات لها وما إلى ذلك من الأسباب التي تجعلها باقية على وضعها.
وأشار مدير الدفاع المدني إلى أن إدارته تعد طرفًا مهمًا في اللجنة المشكلة، وهي تسهم بدورها بشكل فعال بما يخدم الصالح العام من خلال المتابعة المستمرة تجاه تلك المباني وأصحابها من أجل تحصينها أو إزالتها بعمل متكامل مع اللجان، ويتم تنفيذ الإزالة من قبل البلدية بعد مخاطبة مكتب الكهرباء بفصل الخدمة عن الموقع إن وجدت، وإنهاء كافة الإجراءات اللازمة.