باريس:
أكَّد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان ابن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أن المملكة العربية السعودية ليست طارئة على التاريخ، وأن المكانة التي تحظى بها اليوم بين دول العالم، على المستويات الدينية والسياسية والاقتصادية والحضارية، إنما هي امتداد لإرث حضاري عريق، وأن الدين الإسلامي العظيم الذي خرج من هذه الأرض المباركة قد خرج إلى العالم من أرضٍ غنية بتاريخها وحضارتها واقتصادها.
لافتاً إلى أن الدور الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية وشعبها في الوقت الحاضر، والدور الذي ستقوم به في المستقبل، لم يأت من فراغ، بل هو نتاج طبيعي للتراكم الثقافي والحضاري لإنسان الجزيرة العربية كوريث لسلسلة الحضارات العظيمة التي صنعها وشارك في صنعها وحمايتها وتطوير اقتصادها، إلى جانب دوره كخادمٍ أمين لأقدس المواقع الإسلامية التي انطلقت منها رسالة الإسلام إلى العالم».. مبيناً حرص الهيئة التام على الاسترشاد برأي علماء الدين والمشايخ بالمملكة في كل ما يتعلق بحماية هذه المواقع وخاصة مواقع التاريخ الإسلامي.
وأشار سموه في المحاضرة التي ألقاها في الأكاديمية الفرنسية للنقوش والآداب بباريس بدعوة من الأكاديمية أمس الجمعة إلى أن هذه المناسبة تأتي في مرحلة مهمة من تاريخ المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - فهو إلى جانب حكمته السياسية وقيادته الرشيدة، يُعد مثقفاً موسوعياً ورجل تاريخ من طراز رفيع، فقد عُرف عنه اهتمامه الكبير بتاريخ الجزيرة العربية وحضارتها وتاريخ العالم أجمع، وتُعتبر دارة الملك عبدالعزيز التي أنشئت عام 1972م، ويرأسها الملك سلمان - منذ أكثر من عقدين - وجهة للباحثين والمهتمين بتاريخ الدولة السعودية وتاريخ الجزيرة العربية من جهة، وبالتاريخ العربي والإسلامي من جهة أخرى وارتباط ذلك بتاريخ العالم.
مؤكداً سموه أن هذا الوعي التاريخي الذي يتمتع به الملك سلمان، كان له أثر كبير في تسهيل مهام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وقد صدرت منذ ولايته للعهد ثم توليه مقاليد حكم البلاد وحتى الوقت الراهن الكثير من الأنظمة والقرارات التي أحدثت نقلة نوعية في مجالات العناية بالتراث الحضاري للمملكة العربية السعودية، وتوجت هذه القرارات بالموافقة على برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة، الذي قالت عنه السيدة إيرينا بوكوفا المديرة العامة لمنظمة اليونسكو «أنه مشروع وطني طموح يهدف إلى رفع مستوى الوعي بتاريخ المملكة، وحماية واستعادة المواقع الأثرية القديمة، وتهيئة وتطوير وضمان التشغيل الأمثل لمتاحف المملكة.. وأنها تعتقد أنه أحد أشمل البرامج العالمية عناية بالتراث في دولة واحدة وفي وقت واحد، وغير مسبوق في العالم أجمع».
ملتقىً للحضارات الإنسانية
وأكد سموه إلى أن المملكة لم تعان من تداعيات القطيعة المعرفية والحضارية مع تاريخها أو ماضيها، حيث كانت دائما ولا تزال ملتقىً للحضارات الإنسانية، والمتحقق خلال السنوات القليلة الماضية في سبيل استعادة الاهتمام بالتراث لدى مواطني المملكة، حيث يتعايش الآن على أرض المملكة 9 ملايين أجنبي ينتمون لـ150 دولة، وهي جسر يربط بين ثقافات العالم، وتعزيز الارتباط بينهم وبين تاريخهم من جهة، وإعادة وضع المملكة في مكانتها الصحيحة في مقدمة الدول التي تقف على أرض احتضنت تراكماً حضارياً وتاريخاً إنسانياً مهماً وهي ما جعلها تثبت أن مكانتها التي تحتلها اليوم على الصعد السياسية والاقتصادية تأتي امتدادا لما كانت عليه هذه البقعة الجغرافية، وما يمارسه مواطنو هذه البلاد من أدوار في الحوار والتواصل الإنساني وإسهامات في حماية التوازن الاقتصادي العالمي يأتي استمرارا لمن يحملون جينات من أسلافهم الأوائل الذين قاموا بهذا الدور منذ أوقات مبكرة بحكم موقع الجزيرة العربية الجغرافي الذي يتوسط قارات العالم، والذي جعل منها جسراً متصلاً يربط بين طرق التجارة العالمية عبر العصور، ليس فقط منذ أن وضع نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام بناء الكعبة المشرفة في مكة المكرمة أواخر الألفية الثانية قبل الميلاد، لتصبح «مكة المكرمة» فيما بعد مركزاً فكرياً وثقافياً وتجارياً مزدهراً. بل قبل ذلك بآلاف السنين.
ونوه إلى حرص الهيئة على الاسترشاد, وقال نسجل شكراً خاصاً لرئاسة الحرمين الشريفين وكذلك هيئة كبار العلماء برئاسة سماحة مفتي عام المملكة على قيادتنا للتعرف على آثارنا والتعرف على تاريخنا الكبير وتوجيهنا في كل ما يحافظ على الإرث الحضاري العريق.. مؤكداً سموه الحرص الكبير على العمل مع علماء الدين والاسترشاد برأيهم.
وأبان أن المكتشفات الأثرية حتى الآن أثبتت أن بداية الاستيطان البشري في أرض المملكة العربية السعودية يعود إلى العصر الحجري القديم الأسفل منذ مليون ومئتي ألف سنة قبل الوقت الحاضر، ومن الدلائل على ذلك «موقع الشويحطية» الذي يقع على بعد 30كم شمال مدينة سكاكا بمنطقة الجوف شمال المملكة العربية السعودية، حيث تم اكتشاف أدوات حجرية بدائية مصنوعة من حجر الكوارتز، تدل على ارتباط الموقع بمواقع في شرق أفريقيا تعود إلى ما قبل الحضارة الأشولية.
التراكم الحضاري للمملكة
وتطرق سموه خلال المحاضرة إلى التراكم الحضاري للمملكة العربية السعودية، متناولا بعض الشواهد التي وثقتها الكشوفات الأثرية التي بدأت عام 1964م، ثم توسعت بعد إنشاء الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني حتى أصبحت الآن أكثر من (30) بعثة وفريق علمي متخصص يضم إلى جانب العلماء السعوديين علماء متخصصين من أرقى جامعات العالم وأعرق المراكز البحثية من دول عدة منها: فرنسا، وإيطاليا، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان، وبلجيكا، وبولندا، وفنلندا، وهولندا، والنمسا، وغيرها أخرى قادمة، فقد كشفت أعمال هذه البعثات العلمية للتنقيب عن الآثار في المملكة العربية السعودية عن نتائج بالغة الأهمية، ليس فقط لتاريخ السعودية، بل للتاريخ الإنساني كله».
الإعلان عن اكتشاف مهم في تاريخ البشرية
وأعلن سموه عن آخر الاكتشافات الحديثة والمهمة في المملكة والمتمثلة في الكشف عن عظمة بشرية وجدت في البحيرة الجافة بمحافظة تيماء يقدر تاريخها ب، 90 ألف سنة قبل الوقت الحاضر، وهي بذلك تعد أقدم عظام بشرية وجدت في الجزيرة العربية.
منوها سموه إلى أن المكتشفات الحديثة أثبتت وجود بحيرات وأنهار قديمة كانت السمة العامة للجزيرة العربية، وهو ما يثبت بالدليل العلمي نبوءة نبينا صلى الله عليه وسلم قبل خمسة عشر قرنا حيث قال صلى الله عليه وسلم: «لن تقوم الساعة حتى تعود الجزيرة العربية مروجاً وأنهاراً» وهي دلالة قطعية على أنها كانت كذلك من قبل وذلك ما نؤمن به بدون شك ولا ريب، ولكن الآن نحن أمام دلالات علمية على كون الجزيرة العربية كانت مغطاة بالمروج والرياض وغابات السفانا، والأنهار تتقاطع على أرضها.
مبينا سموه أن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أطلقت مشروع (الجزيرة العربية الخضراء) في عام 2012م بالتعاون مع جامعة أوكسفورد كمبادرة لدراسة العلاقة بين التغييرات المناخية التي تعرضت لها شبه الجزيرة العربية على مر العصور وبين بداية الاستيطان البشري فيها وهجرة البشر إليها عبر قارات العالم القديم حتى الآن. وكشف سموه في هذا الصدد أنه تم العثور العام الماضي في الأطراف الغربية من صحراء النفود على أحفورة «ناب الفيل» ضمن مجموعة كبيرة من الأحافير لحيوانات عديدة شملت الغزلان بما فيها المها العربي والأبقار والجواميس البرية والخيل والذئاب وأفراس النهر والنمور والطيور والفيلة، والموقع يمثل بحيرة قديمة تشير الدلائل الأثرية والجيولوجية فيها إلى أن عمرها يزيد على خمسمائة ألف سنة مضت، في حين أرَّخت الأحافير التي وجدت بحوالي 335 ألف سنة قبل الوقت الحاضر، ويبلغ طول ناب الفيل الذي عُثر عليه (مترين و25سم)، ووجوده في هذه المنطقة كان خلال الفترة المطيرة التي تتزامن مع منتصف عصر البليستوسين، (خمسمائة ألف سنة قبل الوقت الحاضر) وهي الفترة التي توفرت خلالها النباتات والمياه بكميات وفيرة سمحت لهذه الحيوانات بالعيش، وقد عاشت هذه الحيوانات في ظل وجود مجموعات بشرية خلال الفترة التي كانت فيها أغلب المناطق الصحراوية خضراء، وهي ما نطلق عليها مرحلة الجزيرة العربية الخضراء التي كشفت الدراسات عن أدلة على وجود مئات البحيرات، والأنهار، والغابات، والكائنات في أنحاء الجزيرة العربية، والتي نشأت حولها العديد من الحضارات المتعاقبة.
وأضاف: «في ظل برنامج الجزيرة العربية الخضراء.. أتممنا مرحلتين أولاهما في محافظة الدوادمي نتج عنها مستكشفات لدراسة التصحر، وحفظت نتائجا، لتعيد الهيئة فتح الملفات والجهود العظيمة التي بدأتها جهات أخرى، والمرحلة الأخرى مع جامعة أكسفورد وعدد من المراكز العالمية، فتم استكشاف ما يثبت أن الجزيرة العربية كانت أنهاراً ومروجاً».
المشاريع المتعلقة بمواقع التاريخ الإسلامي
وأكد سموه أن المشاريع المتعلقة بمواقع التاريخ الإسلامي تعد من أهم مسارات «مشروع خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة»، حيث تبدي المملكة العربية السعودية اهتماماً بالغاً بمواقع التاريخ الإسلامي والحفاظ عليها، ويؤكد ذلك صدور الأمر الملكي الكريم عام 2008مـ، والذي ينص على منع التعدي على مواقع التاريخ الإسلامي في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتكليف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بحصر كامل لتلك المواقع، ووقف جميع أنواع التعديات عليها؛ ونتج عن المسح الميداني لمواقع التاريخ الإسلامي حصر (384) موقعاً في المنطقتين، منها (266) موقعاً في المدينة المنورة، و(118) موقعاً في مكة المكرمة، ونحن فخورون بتعاون أمراء مكة المكرمة والمدينة المنورة ونثمن تعاونهم الكبير، ونسجل شكراً خاصاً لرئاسة الحرمين الشريفين وكذلك هيئة كبار العلماء برئاسة سماحة مفتي عام المملكة على قيادتنا للتعرف على آثارنا والتعرف على تاريخنا الكبير وتوجيهنا في كل ما يحافظ على الإرث الحضاري العريق.. مؤكداً سموه الحرص الكبير على العمل مع علماء الدين والاسترشاد برأيهم.
أعمال البعثات الأثرية في المملكة
وتحدث الأمير سلطان بن سلمان عن عدد من أعمال البعثات الأثرية في المملكة ومكتشفاتها ومنها الكشف في موقع جبه، وموقع الشويمس، في منطقة حائل المسجلين ضمن قائمة التراث العالمي باليونيسكو، على فنون صخرية تتميز بالمنحوتات البشرية والحيوانية التي تصور الجمال، والخيول، والوعول، والنخيل إلى جانب النقوش الثمودية، بينما تتميز الفترة الثالثة ومنحوتات الرجال وهم يركبون الجمال، في إشارة إلى نشاط القوافل التجارية. وفنون صخرية رائعة تصور البشر بالحجم الطبيعي، إلى جانب مجموعة مختلفة من الحيوانات.
ومن المكتشفات المهمة أيضاً، اكتشاف موقع حضارة المقر القديمة وسط المملكة، ويعود تاريخ هذه الحضارة إلى 9000 سنة، ويؤكد على الاستيطان البشري بهذه المنطقة قبل آخر تصحر أو أثناء الفترة الأخيرة من تقلبات المناخ، حيث تُظهر المواد الأثرية المُكتشفة في هذا الموقع أن سكان المقر قد استأنسوا الخيول قبل 9000 سنة، في حين أن الدراسات السابقة على هذا الكشف أشارت إلى أن الخيل قد تم استئناسه لأول مرة في وسط آسيا قبل 5500 سنة.
الحياة بدأت فيها منذ العصر الحجري
وفي مدينة تيماء القديمة أشارت المكتشفات الأثرية إلى أن الحياة قد بدأت فيها منذ العصر الحجري الحديث، وفي العصر الذي يليه، والمعروف بالعصر البرونزي، حيث عثر على العديد من المكتشفات الأثرية، ومنها أوان فخارية مزخرفة، يعود في تاريخها إلى أواخر العصر البرونزي وأوائل العصر الحديدي الذي يمتد من 3300 إلى 1200 قبل الميلاد. كما تم اكتشاف السور الذي كان يحيط بالمدينة على امتداد 11 كيلو متراً، ويرجع تاريخه إلى 1200 سنة قبل الميلاد، وكانت تيماء في القرن السادس قبل الميلاد العاصمة التشغيلية للمملكة البابلية أثناء حكم الملك نابونيد. وتوجد فيها أيضاً قطع أثرية من العصر الإسلامي المبكر، ومن أهم المعالم الأثرية فيها قصر الحمراء، وبئر هداج، وقصر الرضم، وقصر البجيدي.
كما كان موقع مدينة ثاج القديمة، الذي يقع في شرق الجزيرة العربية غرب مدينة الجبيل، محطة مهمة على طريق القوافل، ويحتوي الموقع على أطلال مدينة كاملة محاطة بأسوار، وقد كشفت نتائج التنقيبات الأولية بداخل جدران المدينة عن وجود خمسة مستويات رئيسة من الاستيطان البشري يعود تاريخها إلى الفترة ما بين 500-300 سنة قبل الميلاد.
قرارات لمساعدة الهيئة في القيام بدورها
وأبان سموه أن أرض المملكة العربية السعودية أصبحت بعد توحيدها بقيادة الملك عبد العزيز -رحمه الله- محط أنظار الباحثين والمتخصصين والمستشرقين من كل أنحاء العالم، وقد كان من الطبيعي في تلك الفترة أن تركز القيادة السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز على مشروعات البناء والتنمية حتى تستطيع الدولة اللحاق بركب العالم المتقدم، وقد استطاعت المملكة ولله الحمد أن تحقق مكانة مرموقة، ويكون لها دورها الدولي المؤثر في الشؤون الدينية والاقتصادية والسياسية، ومع إنشاء الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في عام 2000م كانت القيادة السعودية على يقين بأن هذا هو الوقت المناسب للعناية بالبعد الحضاري للمملكة بشكل أوسع وأكثر ترابطاً، وأنه بات من الضروري أن يعرف العالم أن المملكة العربية السعودية إلى جانب أبعادها الثلاثة المعروفة (الديني والاقتصادي والسياسي) لها بعد آخر بالغ الأهمية يتمثل في تراثها الحضاري العظيم والمؤثر في الحضارات الإنسانية عبر العصور، ولتحقيق هذا الهدف أصدرت الدولة السعودية عدداً من القرارات لمساعدة الهيئة في القيام بدورها وتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها، وقد توجت هذه القرارات باعتماد (برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة) في شهر مايو 2014م، ثم تم تأكيده من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في سبتمبر 2015م، باعتباره مشروعاً تاريخياً وطنياً مهماً يعكس التطور في برامج ومشاريع التراث في المملكة، ويغطي عدة مسارات من المشاريع الوطنية مثل: الآثار والمتاحف والتراث العمراني والحرف والصناعات اليدوية، والتوعية والتعريف بالتراث الثقافي، وتطوير مواقع التراث العمراني والأثري وجعل التراث الحضاري جزءًا معاشاً من حياة الأجيال، ومساراً مهماً في الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى مجالات أخرى تتعلق بالتراث غير المادي، حيث يعمل برنامج خادم الحرمين الشريفين على تعزيز مكانة المملكة محلياً ودولياً، ويوفر موارد اقتصادية متجددة، ستؤدي إلى زيادة فرص العمل للمواطنين في جميع أنحاء المملكة، وتدعم مشاريع التنمية الوطنية المتوازنة، ويساهم في تعزيز الأمن الوطني بمفهومه العام من خلال تعزيز اللحمة الوطنية والشعور بالانتماء، ويساهم في تعزيز المكانة التاريخية للمملكة على المستوى الدولي، ويحافظ على التراث الثقافي الوطني ويعمل على تعزيزه وتطويره، ويحقق التحول المنود في حماية التراث الثقافي الوطني من خلال ربطه بصناعة السياحة المستدامة، وبالتالي المساهمة في التنمية الاقتصادية الشاملة.
برنامج خادم الحرمين للعناية بالتراث الحضاري
وأشار الأمير سلطان إلى أن أهداف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة) الذي يشمل 230 مشروعاً تتمثل في: حماية وتجهيز مواقع التاريخ الإسلامي في المملكة وخاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، نظراً لأهميتها الدينية والثقافية ومكانتها في تجسيد تاريخ وحضارة المسلمين في جميع أنحاء العالم، وقد تم تخصيص برنامج للعناية بمواقع التاريخ الإسلامي، من خلال رعاية وتطوير تلك المواقع الإسلامية لتصبح حقيقة واقعة يستلهم منها المسلمون أعظم المعاني والقيم العليا. ونحن نؤكد أن رعاية هذه المواقع وفتحها بعد تجهيزها للزوار سيسهم بحول الله في تعزيز المعرفة ببدايات الإسلام بشكل خاص، وبالتاريخ الإسلامي بشكل عام، وحراك الإسلام عبر الجزيرة العربية إلى العالم، وتزويد الباحثين والطلاب بالمعلومات المستمدة من المواد العلمية والتاريخية الموثوقة، على أن المملكة تعد متحفاً إسلامياً مفتوحاً، وسيكون متاحاً للزائر والوافد والمواطن والمقيم، وإعادة تأهيل القصور والمباني التاريخية للدولة في عهد الملك عبد العزيز -رحمه الله- وتحويلها إلى مراكز ثقافية من شأنها أن تعكس مراحل وتاريخ الوحدة الوطنية ومدى ارتباط هذه المواقع بالملاحم والتضحيات التي قدمها المواطنون المخلصون من أبناء المملكة في تأسيس البلاد بقيادة الملك عبد العزيز -رحمه الله-، ونضالهم لتحقيق الوحدة الوطنية، وتعزيز معرفة المواطنين -وخاصة الشباب- بوطنهم وتأسيسه وملحمة توحيده.
وتوسيع نطاق مشاريع المسح والتنقيب عن الآثار بالتعاون مع البعثات المحلية والدولية، وحماية التراث الثقافي الوطني والمحافظة عليه وتسليط الضوء على مكوناته، على الصعيدين الوطني والدولي واستعادة القطع الأثرية المفقودة من داخل المملكة وخارجها، من خلال برنامج استعادة الآثار الوطنية الذي أطلقته الهيئة بالتنسيق والتعاون مع وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ووزارة المالية ,والجمارك السعودية، ووزارة التجارة والصناعة، وهيئة التحقيق والادعاء العام، ومؤسسة التراث، وأرامكو السعودية، ومؤسسة الملك عبدالعزيز، والبريد السعودي، وقد تمكنت الهيئة بالتعاون مع المواطنين والمقيمين والجهات الحكومية من استعادة أكثر من (17) ألف قطعة أثرية من داخل المملكة، وأكثر من (30) ألف قطعة أثرية من الخارج مضى على اختفاء بعضها أكثر من (50) عاماً، والاستفادة من المواقع الأثرية والطرق والمواقع التاريخية وإعادة تأهيلها وتوظيفها ضمن خطط التنمية الشاملة، وإنشاء وتطوير وتشغيل المتاحف في الأقاليم والمحافظات في جميع مناطق المملكة، حيث أنهت الهيئة حالياً إنشاء (5) متاحف إقليمية جديدة وكبيرة وفق أسلوب جديد وخلاق وفق المعايير العالمية، وتطوير (6) متاحف قائمة، وتأهيل (15) مبنىً تاريخياً من مباني الدولة لتحويلها إلى متاحف ومراكز ثقافية في مدن المملكة، مع أرقى المتاحف العالمية في فرنسا وأمريكا والصين وكوريا وماليزيا, وتطوير القرى التراثية والأحياء التاريخية والأسواق التراثية بالتعاون مع الجهات المعنية من القطاعين الحكومي والخاص، وقد بدأت الهيئة برنامج إعادة تأهيل وتطوير القرى والبلدات التراثية بتطوير (7) مواقع، وبدأت برنامج تحسين مراكز المدن التاريخية بتطوير (8) مراكز وسيتم الإعلان عن تطوير وسط الرياض بمساحة 18 كيلو متر مربع، وبدأت برنامج تأهيل وتطوير الأسواق الشعبية بتطوير (8) أسواق، والحفاظ على التراث العمراني وحمايته وتصنيفه وتطويره وإعادة تأهيله، والاستفادة منه سياحياً وثقافياً واقتصادياً.
وتطوير الحرف والصناعات اليدوية بما يسهم في جعلها مصدر اعتزاز، وفي متناول الجميع، وتنميتها والمحافظة عليها، وتحويلها إلى مسار اقتصادي أساسي على المستوى الوطني ما يوفر المزيد من فرص العمل للمواطنين وخاصة الشباب منهم، ويجري التعاون، حتى يعود المواطن واعياً بتاريخ بلاده وملحمة توحيد بلاده الشامخة، كما نعمل من خلال برنامج بارع على العناية بالحرف والصناعات اليدوية.
واختتم سموه المحاضرة بالتأكيد على أن التراث الحضاري للمملكة العربية السعودية هو جزء أصيل من الحضارة الإنسانية، وهو نتاج طبيعي للتراكم الثقافي الذي تركته الحضارات القديمة على أرض المملكة. وقال: «ونحن في المملكة العربية السعودية لدينا تراث عظيم من حقنا أن نفخر ونعتز به، ونقدمه للعالم، وهذه مهمتنا في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني».
ونقل سموه للحضور تحيات علماء المملكة لكل العلماء الفرنسيين، مؤكداً أن المملكة تنظر لهم بكثير من التقدير والاحترام على جهودهم في تحقيق الكثير من الخير للبشرية جمعاء.
وقد سبق المحاضرة جولة لسمو رئيس الهيئة في مقر الأكاديمية ومتحفها الخاص.
وكان السكرتير الدائم لأكاديمية النقوش والآداب بباريس قد قدم للمحاضرة بكلمة رحب فيها بالأمير سلطان بن سلمان معربا عن اعتزاز الأكاديمية لحضور سموه وإلقائه المحاضرة.
وأشاد بشمولية الاهتمام بالتراث في المملكة وهو ما سمع عنه الكثير في أوساط المهتمين بالآثار في العالم، ولكنه فوجئ أكثر عندما زار المملكة وشاهد عدداً من المواقع الأثرية من أبرزها مدائن صالح والتقى بالفريق السعودي الفرنسي الذي يعمل في التنقيب في الموقع.
وأكد أن الأكاديمية تستضيف عادة النخب من العلماء والقادة، وكانت استضافة الأمير سلطان للاستماع إلى تجربة الآثار في المملكة مطلب مهم لأعضاء الأكاديمية.
يشار إلى أن المحاضرة حظيت باهتمام كبير من الأكاديمية وأعضائها وأساتذة وعلماء الآثار في باريس.
هذا، وتعد الأكاديمية الفرنسية للنقوش والآداب بباريس التي دعت الأمير سلطان بن سلمان لتقديم محاضرة ضمن نشاطها النخبوي، أرقى المعاهد المتخصصة بالآثار والفنون والآداب في فرنسا وإحدى أشهرها على مستوى العالم، وتستضيف عادة نخبة القادة والعلماء المؤثرين في هذا المجال على مستوى العالم.