جاسر عبدالعزيز الجاسر
أنزل الله على نبيه الكريم خاتم الرسل والأنبياء رسالة الإسلام محددة مكتملة الجوانب عبر نصوص القرآن الكريم، وأحاديث وأفعال الرسول الكريم، الذي أكد تلقيه الأمانة كاملة بعد اكتمال تلقيه القرآن الكريم، وهو ما يتضح بالنص القرآني في سورة المائدة (الآية الثالثة)؛ إذ يقول عز من قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}.
وهو ما أكده أيضاً نبينا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث صحيح رواه ابن ماجة عن العرياض بن سارية قال: «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال قد تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. مَنْ يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضُّوا عليها بالنواجذ».
هذا الحديث الصحيح الذي أجمع كل أئمة الحديث على صحته، وهو ما أكده الشيخ الألباني، وما ورد في العديد من سور القرآن الكريم، جميعها تؤكد أن رسالة الإسلام وتعاليمه ومبادئه اكتملت، وأن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أدى الأمانة، وأكمل الرسالة؛ لذلك فإن جميع العلماء والفقهاء والأئمة أكدوا أن أي إضافة أو بدعة هي خروج على مبادئ الإسلام، ودفع المسلمين إلى ضلالة، وهو ما حذر منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث نفسه الذي تكلم فيه عن المحجة البيضاء؛ فقد نبه الرسول في نهاية الحديث عن ذلك قائلاً: «وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة...».
كل هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ومع هذا يخرج علينا نفر يقولون إنهم ينتمون للمسلمين، ويُحدثوا الكثير من البدع التي يرفضها العقل، ويحرِّمها الدين، حتى وصل بهم الأمر إلى إدخال ممارسات وبدع إلى ركن من أركان الإسلام الخمسة؛ إذ يصر هؤلاء على إحداث إضافات لم يعرفها المسلمون الذين أخذوا نسكهم عن الرسول الكريم، الذي حرص على تعليمها للصحابة والمسلمين الذين رافقوه في حجة الوداع. وكل مسلم يعرف أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يُضمِّن حجته ولم يطلب من المسلمين من بعده أن تتضمن مناسك الحج دعاءً خاصًّا، ولا إضافات تثير الفُرقة والفتنة بين المسلمين، وتُحدث كراهية بين عباد الله.
والذي يتابع ما يطالب به أتباع الصفويين، ممن يسيرون خلف ما يسمونه بولي الفقيه، من دعوة لإحياء طقوس خاصة بهم، من بينها ما يسمى بـ(دعاء كميل) و(نشرة زائر) و(مراسم البراءة)، ويعدونها من الشعائر التي لا بد منها في أداء فريضة الحج، ليتعجب أشد العجب.
إنها طقوس لم يكن يعرفها المسلمون الذين يأتون لحج بيت الله الحرام وتأدية الركن الخامس؛ فمن أين أتت هذه البدع؟!
يذكر موقع (حملة السكينة)، الذي أنشأته وزارة الشؤون الإسلامية، أن مراسم البراءة أطلقها خميني، وألزم بها الحجاج الإيرانيين، يرفعونها ويرددونها في موسم الحج من خلال مظاهرات، يردد فيها المتظاهرون هتافات ذات مضامين طائفية، يستفزون بها المسلمين الآخرين الذين لا يلتقون معهم في المذهب؛ وهو ما يحوّل الحج من فريضة دينية إلى سلوك سياسي، يفرِّق بين المسلمين، ويؤسس لفتنة طائفية؛ وهو ما يجعل الحجاج يخرجون عن منهج معاني الحج، إضافة إلى نشر الفوضى وتعميق الفتنة ونشر الطائفية.. وهو ما لا يريده كل من قَدِم للأراضي المقدسة لأداء الركن الخامس وفريضة الحج، وليس القيام بمظاهرات وترديد أدعية لم تكن معروفة في عهد الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -.. وهذا ما جعل حكومة المملكة العربية السعودية تستجيب لمطالبات المسلمين، وتمنع مثل هذه الممارسات التي لا تقرها أصلاً شرعًا ولا تنظيمًا.
وقد التزمت جميع الوفود الإسلامية الذين يتوجهون لأداء فريضة الحج بما وضعته المملكة من ضوابط مستمَّدة تمامًا من الشريعة وما سار عليه المسلمون في حجة الوداع إلى يومنا هذا، ووقفت بالمرصاد لكل من يحاول الإتيان ببدع أو ضلالة؛ ليؤذي المسلمين، ويخرج على الإجماع.