سكتت صاحبة الهمس الحنون الذي كان يترنم بتسابيح الملكوت، وودعتنا الأم الرؤوم التي كانت تغرد بصوت السماء، الصوامة القوامة محبة الفقراء والمساكين هيا بنت عبدالله بن إبراهيم الحسن، حرم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حمد الموسى، رحمها الله وأحسن مثواها هي وزوجها، قال الله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً . فما أقسى لحظات الوداع التي يفارق فيها الإنسان محباً له اعتاد وجوده إلى جواره ووقوفه معه وقت الشدائد، وما أمرَّ الفراق على النفوس إذا تعلقت بأناس تركوها إلى الأبد، وسبقوها إلى دار النعيم المقيم بإذن الله سبحانه وتعالى، إنه الحزن الساكن في جوارحنا، الماكث طويلاً في حنايا القلب، فلا يمحوه تقادم السنين وكر الأيام والفصول.
وفي حضرة الموت نستعيد دائماً الذكريات التي عايشناها سوياً مع من أحببنا قربها ومزقنا الألم لفراقها، لقد عرفنا منها الأمانة وطيب الفؤاد ومعنى الصدق والحب والحنان والإيمان، كما عرفنا منها كيف نرى الحياة كما هي بشموخ، وكيف ننسج صداقاتنا مع الناس بشفافية ووضوح، وهمنا رضا الله وحده، فبرضاه يرضى الناس جميعاً.
كانت الأم هيا موصوفة بطلاقة الوجه وحسن الخلق، لهذا أحبها كل من خالطها وبادلها الأحاديث الودية والمشاعر النبيلة، فالنفوس جبلت وطبعت على حب من اتصف بطهارة القلب وسماحة المحيا ولين الجانب وحسن المنطق، حتى ولو لم يكن ثمة رابط قرابة أو نسب أو جوار، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وهذه الصفة من الصفات الجميلة التي تضيء الصدور بهجة وألفة وأجراً من الله عز وجل, وفي الحديث «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم طلاقة الوجه وحسن الخلق».
ومن المحاسن المشهودة والسجايا الطيبة التي تحلت بها الأم هيا الحسن حرصها الشديد على صلة الرحم، واللطف والبشاشة والصبر مع المعارف والجيران، وطيب المعشر مع الأهل والأسرة؛ ينطبق عليها قول الشاعر:
وجه عليه من الحياء سكينة
ومحبة تجري مع الأنفاس
وإذا أحب الله يوماً عبده
ألقى عليه محبة في الناس
ولا ريب أن كل هذه الصفات المحمودة هي من توفيق الله لها، لصلاح باطنها وظاهرها وإقدامها على كل ما يحبه الله عز وجل ويرضاه، ومسارعتها فيه، وبرها بوالديها وصلتها لرحمها وإعراضها عما لا يعنيها، ولعل رضا الله أنزلها هذه المنزلة الطيبة بين الناس.وكانت - رحمها الله - معظمة لشأن الصلاة، حريصة على التبكير إليها، عفيفة اللسان عن أعراض الناس.
إذا جاءتها زائرات أو ضيفات ظنت كل واحدة منهن أنها الأثيرة لديها لحفاوتها بها.
وقد فرج الله على يديها كربات كثيرة مع ما كانت تبذله من صدقات وإحسان. كما كانت محبة للعمل الخيري، وتلمس احتياجات الأسر الفقيرة، وافتتحت دار هيا بنت عبدالله الحسن لتحفيظ القرآن الكريم.
وقد غرست الأم هيا الحسن حب الخير في ابنيها وبناتها وأحفادها وحفيداتها، فأبناء وبنات الفقيدة عبدالإله وإبراهيم وعائشة وسارة وشيخة ومريم والبندري وأميرة يسيرون على خطى والدهم عبدالعزيز الموسى، ووالدتهم هيا الحسن رحمهما الله..
ولم أر للخلائق من محل
يهذبها كحضن الأمهات
فحضن الأم مدرسة تسامت
بتربية البنين أو البنات
وأخلاق الوليد تقاس حسناً
بأخلاق النساء الوالدات
ختاماً إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك أيتها الأم الحنون لمحزونون..
وأفجع من فقدنا من وجدنا
قبيل الفقد مفقود المثالِ
يدفن بعضنا بعضاً وتمشي
أواخِرنا على هام الأوالي
تغمد الله الفقيدة الحبيبة بواسع رحمته، وألهم ذويها وأبناءها ومحبيها الصبر والسلوان.
محبة الفقيدة/ لولوة المحمد - الرياض