عندما يأخذك الشغف السياحي للبحث عن مكان مذهل، بلا شك، ستكون العلا التابعة لإمارة المدينة المنورة من أفضل الأمكنة. فأنت أمام كَمٍّ من الآثار المدهشة بدءًا من مدائن صالح، وقصور تحمل أسماء غريبة مثل، قصر البنت، وقصر العجوز، وقصر الفريد، مرورًا بزيارة مقابر الأسود، والمزحم، وانتهاء بتكوينات صخرية تسمى الغراميل لها منظر ساحر ومهيب لا سيما ليلاً. في العلا ستفتح التاريخ صفحة تلو صفحة.. لتقرأ بشغف عما ستشاهده في واقع تلك المدينة الساحرة التي تأسر السياح. تختزن المنطقة أكبر تراث أثري يُعد في عرف المنقبين والأثريين ثروة وطنية تستحق المحافظة عليها وتأهيلها، وبالتالي إتاحتها للزائرين كي يتمكنوا من مشاهدتها، إذ تعد أكبر تجمع لآثار لأقوام وحضارات غابرة من معينية، وديدانية، ونبطية، ولحيانية. العلا التي كانت حاضرة التجارة قديمًا، نظرًا لوقوعها على طريق البخور والتوابل تعد اليوم ملتقى للسياح المحليين، فبين فلاتها وآثارها وجبالها ستقابل عددًا كبيرًا من السياح من المواطنين والمقيمين من جنسيات مختلفة قدموا لمعايشة تاريخ على الرمل وبين الجبال. إن المشهد التاريخي والأثري والجمالي قلما يتكرر في مدينة أخرى كالعلا.. هي مدينة خصبة للسياحة، إذ بالإمكان اقتناص لحظة استمتاع لا تتكرر بين آثارها مدينة الحِجْر أو ما يطلق عليها اليوم (مدائن صالح)، تعد من أهم آثار العلا. تقع المدينة في وادي القرى، وتضم 153 واجهة صخرية منحوتة واجهة لبيوت في الجبال تذهل السائح عندما يعلم أنها تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد. ولأهمية هذا الإرث سُجلت مدينة الحجر ضمن مواقع التراث العالمي في منظمة اليونيسكو عام 2008. تبعد عن العلا بمسافة 22 كم من الشمال الشرقي، ولقد كانت محطة وطريقًا تجاريًا يربط ما بين جنوب الجزيرة العربية وبلاد الشام. وتبلغ مساحة هذه المدينة التاريخية، أو المتحف المفتوح أكثر من 13 كم.
البلدة التراثية، أو ما تسمى بـ(الديرة) وهي ذات أزقة ضيقة ببيوت متلاصقة مبنية من الطين. يتربع هذا الحي أو المدينة القديمة على تلة رملية، وتطل على قلعة موسى بن نصير، كما تحيط بها أشجار النخيل. لها من العمر مئات السنين، إذ تعد حديثة نسبيًا إذا ما قيست بآثار العلا الأخرى. عملت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على العناية بها وتطوير موقع مدائن صالح لتكون وجهة سياحية واعدة، وتعمل الهيئة مع إمارة منطقة المدينة المنورة ومحافظة العلا والمجتمع المحلي بانسجام تام لتهيئة المواقع وضخ الاستثمارات لتهيئة التجربة السياحية المتكاملة التي ينشدها زوار هذه المحافظة الرائعة. عاش في هذه البلدة التراثية معاصرون، لكنهم تركوها منذ نصف قرن لمدينة العلا الحديثة.
وصُفت البلدة الطينية، بعد تناقل صورها في مواقع التواصل الاجتماعي من قبل سيّاح أجانب، بأنها أجمل المدن الأثرية وأروعها. وقد قامت الهيئة بأعمال الترميم وتأهيل البلدة التراثية ليتسنى للسياح زيارتها. الخريبة موقع أثري يعود للقرن الخامس قبل الميلاد، وقد كان عاصمة مملكتي دادان ولحيان. يشتهر الموقع بمحلب الناقة، وهو حوض دائري منحوت من الصخر يقال إنه محلب ناقة صالح. ولعل الأكثر شهرة هي مقابر الأسود الأربعة والتي حفرت في سفح جبل الخريبة الصلبة على ارتفاعات متفاوتة، وبعض القبور حفرت في الصخر بشكل مستطيل منتظم، وكأنه قد حفر اليوم بآلات حديثة. صخرة الفيل وتبعد عن العلا 7 كم باتجاه الشرق، وهي صخرة ضخمة إذ يبلغ ارتفاعها 50 مترًا، في علو مبنى من 16 طابقًا.. وتتميز بشكلها الذي يشبه الفيل. وتعد هذه الصخرة من أهم التضاريس التي يقصدها السياح ملتقطين لها الصور الفوتوغرافية.. لتكون دليلاً على أنهم زاروا العلا ومروا من أقدم الطرق التجارية.. ألا وهو طريق قوافل البخور التي كانت تشق الفلا بين تيماء والعلا. محطة سكة حديد الحجاز جزء من الآثار الإسلامية في العلا.. إذ يشكل هذا الخط الحديدي الذي أنشئ عام 1900 بإدارة إسلامية لنقل الحجيج من دمشق إلى المدينة المنورة التي كانت آخر محطاته.. وكانت مدائن صالح محطتها، بالإضافة إلى المدينة المنورة. وتشمل محطة سكة حديد في محافظة العلا العديد من المباني التي أنشئت مع بدايات القرن الماضي. ليست آثار العلا هي المكسب الوحيد، فالمدينة الحديثة تزخر بمنجز حضاري متكامل، شبكة طرق، وشوارع مرصوفة، وإنارة، وبنية تحتية متكاملة، بالإضافة إلى كونها مدينة زراعية.. تشتهر بأنواع خاصة من التمور والحمضيات التي ربما كانت اختيارًا موفقًا للسائح أن يأخذه من العلا. هي اليوم، بلا شك، ذات حاضر يتماهى مع مخزونها التراثي والتاريخي، ويليق بها أن تكون وجهة سياحية بامتياز للسياح.