* الأخ خالد لدي تساؤل يحيرني كثيرا إذا إنسانة تمارس سلوكيات مشينة وتسببت في طلاق والديها وتسببت بمشاكل ناس كثير ببيوتهم وتخوض في أعراض الآخرين وتسببت بقطيعة بينهم وأخيرا بكل سهولة تتوظف بوظيفة رائعة وتتزوج من شخص ثري جدا وتسعد بحياتها أبغى أفهم وش حكمة رب العالمين من كذا؟
ولك سائلتي الفاضلة الرد:
من الجمال في شخصيتك أن عبرت عن مشاعرك وأمطت اللثام عما يجمجم في خاطرك وتلك شجاعة وجراءة أدبية تحمدين عليها أيتها الفاضلة عندما تركل الإنسان بعض الخبرات الحياتية الموجعة ربما يتولد بداخله انفعالات بالغضب والثورة وعليه أتمنى أن لايكون سؤالك من ضمن الأسئلة التي يسأل عنها في غمرة المشاعر الملتهبة حيث الغليان الداخلي وقد أضمر صاحبه جوابا لايريد ألا يسمع غيره وهو ولا يرضيه سواه, وأربأ بك أن تكوني كذلك وأقول مستعينا ومتوكلا على الله: إن من الحقائق الكبرى والمبادئ الراسخة في الرؤية الإسلامية أن لله حكمة تقصر معارف البشر عنها وتتضاءل مداركهم عن الوصول لكنهها وتعجز أفهماهم على تصورها ولسنا معنيين البتة برصد الحكم وفهمها إلا ما يسره الله لنا. وبالنسبة لمعادلة الظلم فليس بالضرورة أن يقف البشر على عقاب من ظلمهم أو أن يقتصوا منهم في هذه الحياة، يقول الشيخ علي الطنطاوي في حديث عذب شيق: (إن الاعتقاد بوجود الحياة الآخرة نتيجة لازمة للاعتقاد بوجود الله وبيان ذلك أن الله لايقر الظلم ولا يدع الظالم بغير عقاب ولا يترك المظلوم من غير إنصاف ونحن نرى ظلمة ماتوا ولم يعاقبوا ومظلومين ماتوا ولم ينصفوا فكيف يتم هذا مادام الله موجودا وهو أعدل العادلين!..انتهى كلامه) وربما لا يصيب الظالمين في الدنيا جزاء ما ظلموا وطغوا، ولكن في الآخرة سيتحقق كمال العدل الإلهي، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) وجاء في الحديث الصحيح: «إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته». قال القرطبي: «يملي: يطيل في مدّته، ويصحّ بدنه، ويكثر ماله وولده ليكثر ظلمُه، كما قال تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً} وهذا كما فعل الله بالظلمة المتجبرين من الأمم والقرون الخالية، حتى إذا تعاظم ظلمهم وتكامل جرمهم أخذهم الله أخذة رابية، فلم يرَ لهم من باقية.) فقري عينا أيتها الفاضلة فسيأتي يوم لن تضيع فيه شاردة ولا واردة وسينزل كشف حساب دقيق وسيأخذ المظلومون حقوقهم وسيقتصون من الظلمة إن لم يعجل لهم في الحياة الدنيا
وما من يد إلا يد الله فوقها
ولا من ظالم إلا سيبلى بظالم
ولن يقتصر الأمر فقط على البشر بل سيتجاوزه إلى الحيونات فيحكم الله بين الحيوانات فيفصل بينها بحكمة العدل الذي لا يجور، حتى إنه ليقتص للشاة الجلحاء(التي ليس لها قرون) من القرناء.
وفي هذا الشأن يروى عن أحد العصاة أنه قال ربي كم عصيتك ولم تعاقبني! وفي إحدى الليالي أتاه هاتف يقول له: كم عاقبتك وما شعرت! نعم فليس بالضرورة أن يكون العقاب خسارة مالية أو مرضا مقعدا أو حادثا مؤلما فربما يعاقب الظالم على تبلد إحساسه أو تراكم الران على قلبه وربما يعاقب بفوات فرصة أو استمتاع بمعصية وهذا والله من أعظم العقوبات. سألت وفقك الله ما الحكمة في سعادة من ظلمتك رغم ظلمها؟ وهذا يحتاج منك إلى تعميق فكر وإعمال عقل وسيطرة على الانفعالات فهذا كلام خطير وفقك الله وتفاصيل الحياة لا تجري بمثل هذه البساطة, ولا يتعامل معها بتلك السطحية. فلسنا من يقرر متى وكيف وأين يعاقب الناس؟ فتلك أمور بيد العزيز الحكيم, واعلمي كذلك أن السعادة في هذه الحياة لا تختزل بزوج غني أو وظيفة جيدة فمفهومها أوسع ,أشمل بكثير من هذا ولعلك تعودين إلى مقال صناعة السعادة في زاوية فجر قريب ففيه تفصيل مفيد, ومن الأمور التي يحسن التنبيه عليها ما لمسته في رسالتك أنك جعلت تلك الفتاة في مرتبة المجرمين وفي مصاف الآبقين بمجرد ما حدث بينكما وأقول وإن أخطأت عليك أو سلكت سلوكا شائنا فلا يعني هذا أنها أصبحت من المغضوب عليهم فلعل لها أعمال لاتعلمينها غطت على هناتها وسقطاتها.
وأخيرا أوصيك ونفسي بالتسامح والصفح {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} وطهري قلبك فتلك والله من أهم روافد السعادة يقول الأديب البرازيلي المبدع باولو كويلهو: (كلما زاد استعدادنا للعطاء كلما ازداد ما نحصل عليه من فرص السعادة والنجاح في الحياة). وهل هناك عطاء أعظم من الصفح والتسامح ونحن أيتها الفاضلة عندما نتسامح إنما نقدم خدمة عظيمة ليست لمن تسامحنا معه فحسب بل لذواتنا أولا فهناك الأجر العظيم والجوائز السنية في الآخرة وهناك جانب آخر تحدث عنه برايان تريسي حيث يقول: عندما نبني سجنا واحد فذلك يستلزم وجود شخصين سجين وسجان وكلاهما في السجن وعندما نتسامح ونحرر الطرف الآخر فإننا بهذا نحرر أنفسنا من رق سيطرة الآخر علينا وتفكيرنا فيه وأخيرا أسأل المولى أن يوفقك وييسر أمرك.