«الجزيرة» - ماجدة عبدالعزيز:
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قصة مواطن اشترط في عقد نكاحه على زوجته عدم نشر صور خاصة عن حياتهما االيومية في تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل الانستغرام والسناب شات وكتب هذا الشرط ضمن شروط عقد النكاح، هذا الخبر أثار جدلاً في مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض.
ويرى الأستاذ المشارك بعلم الاجتماع في جامعة الملك سعود الدكتور خالد الرديعان أن هذا الشاب محق ويؤيده في تصرفه ووصفه بالعقلانية ويقول الدكتور الرديعان: «أرى أن هذا الشاب محق وموقفه عقلاني جدًا ويريد أن يحافظ على خصوصية حياته وعدم نشر كل ما يتعلق بها أمام الناس، وإن كان سلوك هذا الشاب سوف يُقلد بعيدًا عن التعنيف فربما يحد ويمنع الناس عن نشر خصوصية حياتهم اليومية على هذه التطبيقات التي تتزايد يوما عن يوم».
غياب التحفظ
ويضيف الدكتور الرديعان: للأسف أصبحنا كالعراة وكل يرى عورتنا في تطبيقات التواصل الاجتماعي وأصبحنا مفضوحين ولم يعد هناك أي تحفظ على حياة الأسرة الخاصة صرنا نعرف ماذا تأكل الناس وأين يذهبون وأي قهوة يشربون ومن أين يلبسون وأين يسافرون وماذا يشترون، لم يعد هناك شيء مخفٍ، تفاصيل الحياة اليومية مدونة، والتناقض في الموضوع أننا مجتمع محافظ ودائمًا يباهي بخصوصيته التي هي مشكلتنا الرئيسة ولكنها اختفت مع هذه التطبيقات.
ويستغرب الدكتور الرديعان من هذا التناقض ويقول: «أنا استغرب أن المجتمع السعودي مجتمع محافظ جدًا ولكنه فضح نفسه في مواقع التواصل الاجتماعي عبر هذه الأجهزة الذكية».
حب استعراض
ويوضح الدكتور الرديعان أن هناك عدة أسباب لانتشار هذا السلوك في المجتمع أهمها التقنية الحديثة والأجهزة الذكية وتطبيقات التواصل الاجتماعي التي فرضت نفسها، وأصبحت ضمن أولويات حياتنا اليومية، ولكن للأسف استخدمت بطريقة خاطئة.
أيضًا الاستعراض وأنا أسميه «الفشخرة» فللأسف الإنسان لدينا يُقيم بما لديه فتجد الشاب يصور سيارته ومكان عمله وفطوره وقهوته حتى يبّين مستوى معيشته، والفتاة كذلك تفعل بالمقابل نفس الشيء فتصور حقيبتها الماركة وجزء من يديها لتظهر مجوهراتها وهكذا.
كما أن الوقت عامل مهم جدًا فالذين يعانون من فراغ وليس لديهم عمل يهدرون وقتهم على نشر حياتهم بهذه الطريقة وقد يكون معظمهم من النساء اللواتي لا يعملن ولديهن وقت فراغ كبير ومتفرغات بعكس النساء العاملات اللواتي لا يجدن الوقت. ويؤكد الدكتور الرديعان على أن نشر تفاصيل الحياة اليومية ظاهرة متفشية في المجتمع ويقول هي للأسف ظاهرة سيئة ومنتشرة لدى الجميع بلا استثناء حتى الأطفال يفضحون أسرهم بنقل تفاصيل حياة الأسرة وصور المنزل على هذه التطبيقات.
ويشير الدكتور الرديعان إلى أن الناس يتنازعهم جانبان الجانب الديني وخوفهم من العين والحسد فتجد من يضع الصور يدون تحتها اذكر الله قل ما شاء الله وإذا تضرروا قالوا من العين، والجانب الآخر دنيوي وهو حب الاستعراض والمظاهر التي سيطرت على الناس وأصبحت أسلوب حياة لديهم.
الحاجة إلى التوعية
ويبّين الدكتور الرديعان أنه وللأسف لا يوجد طريقة يمكن بها الحد من ذلك سوى رفع الوعي لدى الجمهور وزيادة التركيز على الآثار السلبية والناتجة عن هذا السلوك لعل وعسى يفيد في ذلك، لأن الأجهزة وتطبيقات التواصل الاجتماعي بين أيدي الناس وإذا لم يكن هناك رادع من داخلهم يمنعهم عن ذلك لن يكون هناك ما يردعهم ويجعلهم يتوقفون. يذكر أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كشفت مؤخرًا عن أن 74 في المائة من قضايا الابتزاز مطالبها جنسية، و22 في المائة تنتج عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، منها 41 في المائة لفتيات الثانوية في إحصائية لحالات الابتزاز عام 1436.
وإزاء ظاهرة الابتزاز التي انتشرت على نطاق واسع مع ترخص بعضهم في نشر خصوصياتهم على شبكات التواصل الاجتماعي يشير خبراء إلى أن أكثر الفئات عرضة للتحرش والابتزاز هم شريحة الشباب، والمراهقين تحديدًا هم الأكثر عرضة للابتزاز، لأنه الشريحة العمرية الأكثر انسياقًا وراء إشباع حاجاتها المختلفة، كما أن هناك شريحة المسؤولين والمشهورين والشخصيات العامة، وهؤلاء يفتحون حساباتهم على فيسبوك وانستغرام مثلاً أمام الجميع لأسباب مختلفة من بينها ألا يتهموا بالتعالى أو التكبر أو الانغلاق، لكنهم في الوقت ذاته من أكثر الناس عرضة للابتزاز، لأن المجرم المبتز يدرك مسبقًا حساسية مناصبهم وأوضاعهم الاجتماعية، وأنهم يمكن أن يكونوا أكثر قدرة أو اضطرارا للدفع للحفاظ عليها.
ويؤكد خبراء جرائم الإنترنت على أنه كما أننا حريصون على اختيار أصدقائنا في الحياة الطبيعية، يجب أن نكون كذلك أيضًا على في مواقع التواصل الاجتماعي، وأن نحذر دائمًا من الغرباء، ونضع ما يمكن أن نسميه فلاتر أمام الأشخاص الجدد، ويمكن أن نتحقق من الشخص الذي يطلب صداقتنا على فيسبوك مثلاً عبر الدخول إلى صفحته، والاطلاع على تاريخ إنشائه لها، ومن هم أصدقاؤه، وما هي اهتماماته، ثم الحكم عليه بناء على كل ذلك.
ويرى الخبراء أيضًا أننا لسنا مضطرين إلى كشف الكثير من جوانب حياتنا الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، فالأشخاص الذين ينشرون صور سياراتهم الفارهة، وبيوتهم أو قصورهم من الداخل والخارج، سيكونون طبعًا أكثر عرضة للابتزاز المالي، وكذلك الفتيات اللواتي يبالغن في نشر صورهن بأشكال وأوضاع مختلفة، يشجعن عددًا أكبر من الشباب على الوصول لهن وربما ابتزازهن.