البعض يعشق الصعود والارتقاء إلى المعالي برغم المشاق والصعاب والآلام، وهذه الفئة تتميز بقوة دافعة في أنفسها لا تنضب ولا تخبو متوقدة ومحفزة للاندفاع لأعلى، وصاحبها لا يرضى إلا بالصعود وإن دفعته الظروف والناس لأسفل، ينهض سريعًا، ينفض الغبار ويواصل رحلته في الارتقاء.
والبعض يفتقر إلى القوة الدافعة، فهي أشبه بالرماد، فيشعر بالخدر والتراخي ويستسلم في مرحلة التوقف في القاع، ويقنع نفسه بأن رحلة الصعود مكلفة وغير مجدية، بل مستحيلة فيؤقلم نفسه على ذلك وينسى أن هناك مسؤولية مستمرة للصعود والارتقاء.
والبعض يهوي من مكانة عالية، فينهض ويرتقي والبعض يهوي من مكانة منخفضة ولا ينهض.
تلك الشعلة في داخلك التي تسمى «الهمة» تزيد كلما تركت الركون للراحة والدعة، وعاندت نفسك التي تجرك للأسفل، وربطتها بأهداف بعيدة المدى وأهداف مرحلية، لم تسمح لها بأن تستكين قبل أن تحرز الهدف القريب وما بعده في مسيرتها إلى الأهداف البعيدة.
وأعظم مثال للهمة يتمثل في رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، والرسل ذوي العزم والصحابة الكرام، حيث تطول القائمة لتحتوي شخصيات وقادة وعلماء ومبدعين على مر العصور ومن مختلف الأديان والمشارب والأصول.
اسمع لما يقول الإمام أبو الفرج ابن الجوزي عن نفسه: (كتبت بأصبعي هاتين ألفي مجلدة، وتاب على يديَّ مائة ألف، وأسلم على يديَّ عشرون ألف يهودي ونصراني).
ويقول: (ولو قلت إني قد طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعد أبعد في الطلب).
فإذا كان قدر ما قرأ وهو في الطلب (عشرين ألف) مجلدة، فمقدار ما قرأ ستة ملايين صفحة!!
وإذا كان ما كتب بأصبعيه (ألفي) مجلدة، كان مقدار ما كتب ستمائة ألف صفحة!!
هذا ما قرأ ونسخ، فما هو مقدار ما كتب وصنف؟!
أي همة تلك! وأي صبر!.
والأمثلة لا تحصى في علو الهمة، التي يزخر بها تاريخنا الإسلامي في كل العصور.
ولكن هل تموت الهمة؟
نعم فالهمة أول ضحايا الإدمان!
بعض هذه الآفات يصيبها بما يشبه السكتة القلبية، والبعض يقتلها بشكل بطيء حتى يتركها (الهمة) بما يشبه الموت السريري في نهاية المطاف.
إنه الإدمان بكل أنواعه المحرمة وغير المحرمة!
فالمخدرات بمنزلة السم القاتل بل السكتة القلبية للهمة، ولا يحتاج القارئ مزيد علم عن آفة العصر وخطرها المميت.
ويأتي بعدها كل ما تدمنه النفس من محرمات ومباحات وخصوصًا إدمان الهواتف الذكية وألعاب الفيديو، فهي القاتل الخفي والبطيء للهمة.
والمؤلم أن من يعاني من هذا الإدمان، عدد لا حصر له في أيامنا هذه، وفي فئة الشباب خاصة.
وأخيرا.. راقب إدمانك وعالجه لكي تعود لك الهمة وتنطلق في رحلة الصعود والارتقاء للمعالي، لأن مكانك هناك بين النجوم لا بين الحفر.