من منظور الإنصاف الذي يستخدمه الغرب حسب ادعائهم للعرب هي محاولة زعزعة أركان الثقة بالذات العربية إن صح التعبير، فالكثير من مفكريهم وأدبائهم القدماء والمعاصرين والحديثين لديه هوس البحث عن التاريخ العربي، بل تجد أن الأمور السياسية، والخطابات السياسية لكل من يتولى منهم أية مهمة داخل بلده أو خارج بلده لابد أن تجد للعرب نصيباً من سياسته؛ بل تجد في منظورهم أن العرب أصبحوا ظاهرة متفشية لدى الغرب لا يعلمون كيف يتعاملون معها إلا عشوائياً وبصلابة وقمع تام.
فهل سألنا أنفسنا لماذا هم كذلك تجاهنا؟ قابلت أحد الأشقاء العرب مهندس حاسب آلي قبل يومين وكان يمازحه أحد الأصدقاء يقول له: الآن هكذا عملكم، وكنتم سابقاً تحت الاحتلال، فرد عليه هذا العربي: يا ليتنا كنّا إلى الآن تحت الاحتلال كان أفضل.
هل إلى هذه الدرجة وصل بعقل العربي التبعية العمياء، وكره المبادئ والقيم العربية.. أنا لا ألومهم على الإطلاق لأن الاستعمار والاحتلال الغربي لكثير من الدول العربية صدّر ثقافة أن الجهل مطبق على الدول العربية، وأن حضارة العرب حديثة، وعاداتهم وتقاليدهم هي تتنافى مع طبيعة التركيب الثقافي الدخيل قسرًا على هذا البلد العربي.
إن المحاولات في إرسال هذا الكمّ الهائل من الرسائل السلبية التي تسيء للعرب، وتنعتهم بالتخلف والرجعية هي في الحقيقة هدفٌ سامٍ لترويج ثقافتهم، والقضاء على الهوية العربية، بل نجحوا في ذلك نجاحاً على نطاق واسع؛ فتجدنا دائماً نحن العرب ننقل كل ما يقال عنا سيء أننا في قمة الرجعية، والتخلف، ونخرب ديارنا، وأوطاننا وإلى آخره. لو نظرنا عن كثب نظرة شاملة على بلدان العالم لوجدنا التخلف والرجعية هي ما تسود عليهم، وذلك لأنهم سلموا عقولهم لعدة مصادر تسليماً أعمى، ولو رجعنا إلى عصر الظلمات في أوروبا ما بين سنة 400 إلى سنة 1400 ميلادي عندما سيطرت الكنيسة والباباوات في ذلك التاريخ، حيث منع العلم والمعرفة في شتى المجالات، وغابت الحضارات والإنجازات المادية والحيوية إلا بصك شرعي من أحد أساقفة الكنيسة في أي دولة، لوجدنا الفرق شاسعاً بين عقولنا وعقولهم. أتى الدين الإسلامي لحفظ الضروريات الخمس ومنها: العقل. كل ما يقال ضد العرب هو فقط لهز الثقة بأنفسهم، وأنهم كلما تطوّروا تذكروا أنهم في أذيال الأمم، ثم تقاعسوا وتحطمت آمالهم، وهم في الحقيقة عكس ذلك تماماً. ولنأخذ الحقبة الزمنية من سنة 1933 إلى سنة 1945 ميلادي إبّان فترة الحرب الباردة والحرب العالمية الثانية، من قاد أوروبا للتخلف والجوع المدقع، وقتل ما يزيد عن 70 مليون نسمة بلا ذنب يذكر سوى الأطماع، وقانون الغابة، الذي قطع الطريق على جميع دول العالم، ورجع العالم للوراء أكثر من 50 سنة، والإبادات الجماعية للبشر، وقانون إحراق الدولة الذي سنّه الاتحاد السوفييتي وألمانيا النازية آنذاك المسمى بالفاشية وهو زوال الرئيس ما يعني زوال الدولة، ومعركة العلمين، والشمال الإفريقي، وغيرها الكثير، في حين أن بريطانيا كانت كالسكّين في خاصرة العرب أيام الانتداب البريطاني، ولنأخذ جرائم الإمبراطورية اليابانية في الصين وكوريا، والتي أطلق عليها اسم محرقة آسيا، ففي عام 1937 ميلادي قام الجيش الياباني بدخول مدينة نانجنغ لمدة 6 أسابيع فقط، ولكن كانت بالفعل أسابيع دموية تم إبادة جميع سكان هذه المدينة، والمقدر عددهم بأكثر 250 ألف نسمة على أقل تقدير لضعف الإحصاءات في ذلك الوقت، بل إنهم كانوا يتباهون من يستطيع قتل 100 شخص بسيف الساموراي بضربة واحدة، أو دفنهم أحياء. وغيرها جرائمهم في كوريا، فمن يقرأ التاريخ الدموي والرجعي لهذه الدولة، لتبين كذب ادعاءاتهم الحالية تجاه العرب. ورائم الولايات المتحدة في مقتل أكثر من 100 مليون هندي أحمر من السكان الأصليين إلى أن لم يبقى منهم سوى القليل، وحاكمتهم بالقانون الفيدرالي الخاضع للمحاكم الفيدرالية وليس محاكم قانون الولاية نفسها. وما يفعلونه الآن إبادة الرق، والاستعباد، وإلى غيره من الجرائم. يقول الدكتور عيد اليحيى: تاريخنا العربي مستهدف لدرجة لا يمكن أن يتخيلها عاقل، فالحقائق غُيّرت والموازين قلبت، وأصبحوا في الغرب والشرق يرسلون في كل مرة انتقادات تهز من ثقتنا بأنفسنا نحن العرب في أننا متخلفين، ورجعيين، ونحن أهل الثقافة والحضارة والفنون، ومنّا انطلقت حضارات كثيرة، ونحن امتداد لحضارات قديمة، فتاريخنا يكتبه المستشرق المسيحي المتعصّب ضدنا، فكيف يمكن أن يكون حقيقيًا. انتهى كلامه. ويقول أيضًا في مناسبة أخرى، نحن يستكثرون علينا تربيتنا للإبل، وإقامة المهرجانات، ويصفوننا بأننا متخلفين بأن نبيع هذا الحيوان بهذه الأسعار، بينما هم يقيمون سنوياً مهرجاناً لأجمل (كلب) أجلّكم الله في بريطانيا، وفرنسا، ومهرجاناً لأجمل قِطٍّ، وأسعارها تفوق المليون دولار، فلماذا يستكثرون علينا هذا ؟.. انتهى كلامه.
ويخبرني أحد الإخوة السودانيين وهو يحمل الجنسية الأمريكية ويقول: عندما تسمع كلمة العرب فاعرف أن المقصود بلاد الحرمين وأهلها من قبائل العرب الأصليين، ولن تجد من يمدحها على الإطلاق، بل تجد كلها سب وهمز ولمز، ووصف بالرجعية، أما بقية دول العالم العربي فهم ليسوا عرباً أصليين، ولكنهم يتكلمون بلسان عربي مبين، انظر أنا مثلاً سوداني عربي أفريقي، وفي السودان قبائل عربية امتزجت بالقبائل الأفريقية، وقبائل أفريقية لم تمتزج بالدم العربي، ومع ذلك لسانها عربي فصيح. كذلك إخواننا في الشام أيضًا من الذين لا ترجع أصولهم لقبائل جزيرة العرب فهم ليسوا عرباً وإلا من متى يكون العربي أشقر الشعر، وأزرق العينين..! لا يهمكم أنتم في المقدمة دوماً وهم يريدونكم ألاّ تثقوا بأنفسكم فأنتم أهل العهد، وحفظ الوعد، والنخوة، والكرم، والشجاعة، والوفاء، والعفة، وكل مكارم الأخلاق التي بعث عليه الصلاة والسلام ليكملها. انتهى كلامه.
وما يبعث في النفس الطمأنينة الآن هو المشروع الكبير القادم، ورؤية السعودية 2030 ومن ضمنها هي المحافظة على التاريخ المشرف، والناصع البياض لحضارة العرب التي شوهت عمدًا إجحافاً وقسرًا فكلنا أمل وفخر فحقيقة هذه الأمور تجعلنا نعيد حساباتنا مع أنفسنا نحن العرب فنحن عكس ما يقولون تماماً.