الدمام - عبير الزهراني:
أكد لـ«الجزيرة» مختصون أن الغش التجاري في مواد البناء له العديد من الآثار السلبية من أهمها الهدر الاقتصادي والتنموي من خلال تشييد مشاريع غير مستدامة بالإضافة إلى سرعة هرم المباني الجديدة لرداءة المواد المستخدمة في البناء وعدم مواءمتها لمناخ وطبيعة المكان.
وقال المهندس أحمد المنديل: السبب الرئيسي لحالات الغش في مواد البناء غياب تطبيق كود البناء السعودي الذي طالت فترة ظهوره وإلزاميته في قطاع التصميم والتشييد، مما خلق ثغرة عند ضعاف النفوس، ووجود التطور التقني في التصنيع، جعلهم يقومون بتقليد مواد البناء بخامات تفتقر لأي معايير أو مواصفات مما ساهم ذلك الأمر في هدر المال العام والخاص بمنتجات رديئة خالية من مواصفات ومعايير السلامة مما يؤثر على سلامة الأفراد و كذلك سلامة وكفاءة المنشآت. وأضاف: بحسب دراسة للاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين «فيديك» تقدر حجم سوق المواد في المملكة بـ 95 مليار ريال سعودي خلال 2012 و نسبة سوق المواد المقلدة منها تقدر بـ 40% ما يعادل تقريبا 38 مليار ريال سعودي، وبحسب إحصائية لـ «وزارة التجارة والصناعة» فإنها تقدر حجم السوق لمواد البناء المقلدة لجميع المواد باستثناء الإسمنت و الحديد بـ 85%.
وأوضح بأن هناك العديد من الحلول من أجل معالجة ظاهرة الغش في مواد البناء بتطبيق معايير الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس على جميع المواد، وإلزامية أن تكون هذه المواد مطابقة لها وموجودة على أغلفتها ما يثبت ذلك، وتوافقا مع ذلك أن تكون المواد متطابقة مع اشتراطات الكود السعودي للبناء، و أن تكون منافذ البيع لمواد البناء مرخصة ونظامية مع وجود الرقابة الميدانية من قبل وزارة التجارة والصناعة والشؤون البلدية والقروية على هذه المنافذ.
ويؤكد المختص في التخطيط والتصميم العمراني المهندس فهد عبد الرحمن الصالح: بأن الأسباب التي تؤدي إلى وجود حالات غش في مواد البناء عديدة لعل من أبرزها وأهمها هو التأخر الكبير في البدء بالتطبيق الفعلي والإلزامي لكود البناء السعودي الذي أُقر من قبل مجلس الوزراء في عام 1430هـ، وتمت الموافقة على البدء في تطبيقه بصفة تجريبية لكنه لم يُفعّل ولم يطبق إلزامياً إلى الآن على الرغم من أن تطبيقه فيه مصلحة للمواطن ومصلحة لاقتصاد المملكة لأنه يضع الضوابط الفنية التي تحكم مواصفات واشتراطات البناء، حتى يلتزم بها جميع لمقاولين، ولأنه سيساعد في سلامة المنشآت والحفاظ على الأرواح والممتلكات وتوفير مبان بمواصفات فنية سليمة وآمنة.
ومن جانب آخر أعتقد أن وزارة التجارة والاستثمار تتحمل مسئولية في مكافحة الغش التجاري بمواد البناء فمن الواضح أن عمليات الرقابة على مواد البناء ليست بالشكل الكافي لذا نلحظ بيع مواد البناء المغشوشة على مرأى من الجميع، وهذا مؤلم بالفعل خصوصاً أن الكثيرين يعانون من الارتفاع العالي في أسعار البناء ومع ذلك يقعون فريسةً لبعض مقاولي وتجار مواد البناء الذين قاموا بالتلاعب بجودة المباني من أجل تحقيق الأرباح.
ومن الأسباب التي أدت لوجود مواد بناء مغشوشة وجود بعض العاملين في قطاع المقاولات والإنشاءات من غير ذوي الاختصاص والمهنة فالقطاع الهندسي والإنشائي يعاني من وجود بعض مدعي المعرفة بالبناء ويقومون بجلب عمالة غير مؤهلة ولا تحمل رخصة مزاولة مهنة وإعطائها العمل مباشرة في البناء والكهرباء والسباكة والمساحة وغيرها من مهن البناء.
وقال الصالح : هناك الكثير من الآثار السلبية في مواد البناء من أهمها الهدر الاقتصادي والتنموي من خلال تشييد مشاريع غير مستدامة وكذلك سرعة هرم المباني الجديدة لرداءة المواد المستخدمة في البناء وعدم مواءمتها لمناخ وطبيعة المكان. كما أنني أعزو انتشار معظم الحرائق التي تحدث في المباني إلى رداءة وسوء مواد البناء ولاسيما فيما يتعلق بالتمديدات الكهربائية.
وتابع : يوجد أعداد كبيرة من الوحدات السكنية التي نفذت بمواد بناء مغشوشة وهذا ملاحظ من كثرة شكاوى الملاك أو المستأجرين لبعض المباني ولعل أكثر أمر مقلق وملاحظ في انتشار الغش بتلك المباني وجود تسربات للمياه داخل المبنى، أو حدوث تشققات وانهيارات لبعض الأجزاء فيه.
وأشار الصالح بأن غياب الإشراف الهندسي وتأخر الصيانة وسوء المواد الداخلة في البناء له دوركبير في إخفاء بعض العيوب الهندسية التي يقوم بها بعض المقاولين عن المالك ويستغل في ذلك عدم وجود خبرة ودراية من المالك بأساسيات البناء ونوعيات مواد البناء المستخدمة في الإنشاء لذا من الضرورة بمكان وجود مهندس مشرف في موقع المشروع ليقوم بعملية الإشراف والرقابة لحين تسليم المشروع بشكلٍ نهائي، لذا يفترض تشجيع قيام مكاتب هندسية تعمل كوسيط بين المستهلكين والعقاريين للتأكد من مطابقة المواصفات في المباني. أما فيما يتعلق بمواد البناء التي تستخدم في البناء فإن بعضاً منها ليس لها مواصفات جودة قياسية وغير آمنة وبالتالي لا تتحمل الظروف البيئية السائدة وظروف الاستخدام المتعددة، فضلا ًعن مقاومة الأخطار كالحريق والزلازل. وتابع: في الواقع نأمل في سرعة البدء الالزامي بتطبيق كود البناء السعودي لأنه يمثل مجموعة من النظم الفنية المتخصصة بالمباني لضمان الحد الأدنى المقبول من السلامة والصحة العامة، المبنية على أسس علمية أخذت بعين الاعتبار الظروف الطبيعية والقواعد الهندسية وهذا سيؤدي لتقليل الآثار السلبية والأضرار والخسائر. أيضاً نتطلع إلى إطلاق حملة تصحيحية ورقابية لمكافحة الغش والإبقاء على المواد التي تحقق السلامة العامة في مواد البناء على أن تتحول تلك الحملات لسياسة عمل دائمة لا أن تكون حملة مؤقتة ذات تأثير زمني بسيط.
وقال المحامي والمستشار القانوني علي فراج العقلا، يرجع السبب الرئيسي لحالات الغش في مواد البناء إلى ضعف الوازع الديني لدى بعض وعدم امتثالهم لتعاليم ديننا الحنيف من تحريم الغش، وهناك أسباب أخري للغش في مواد البناء ومن بينها غلاء مواد البناء بصفة عامة مما جعل بعض التجار يجلبون بضائعهم من بلاد مصنعة ومقلدة للمنتجات الأصلية من أجل تكلفة أقل، وتلاعب بعض المقاولين في مواد البناء المستخدمة وجودة الخرسانة وكميات الحديد المطلوبة من أجل تعظيم أرباحهم على حساب جودة المنتج النهائي، إضافة لوجود العديد من الصعوبات في الوصول إلى المقاول الجيد الملتزم بمعايير الجودة ،وقلة الكوادر المتخصصة في فحص السلع المغشوشة، وقلة وعي المستهلك، واستغلال بعض من المصنعين المحتالين للتقنيات الحديثة في إنتاج المواد المخالفة التي يصعب تمييزها من المواد ذات الجودة العالية.
وأضاف العقلا: تعريض حياة المواطنين للخطر و تقليل العمر الافتراضي للمنشآت وهدر أموال كبيرة في الصيانة بدون جدوى ملموسة وتأثير ذلك كله على اقتصاد مملكتنا الغالية بالنهاية. وتابع: لابد من تضافر جهود الجهات المعنية بتذكير الناس بحرمة الغش وعاقبته بالدنيا والآخرة وتذكيرهم بما حث عليه رسولنا الكريم. ويجب وضع أسس لممارسي نشاط المقاولات بصورة لا تسمح لأي شخص أو مؤسسة بممارسة هذا النشاط إلا بترخيص من جهة مسئولة بضمان جودة العمل التي تقوم به والتزامها بالمعايير والمواصفات المعتمدة بالمملكة، مع ضرورة أن تلتزم شركات المقاولات بتقديم ضمان على المبنى لمدة لا تقل عن 10 سنوات تكون خلاله مسئولة عن إصلاح ومعالجة أية مشاكل تظهر فيه وإن كانت هذه المشاكل رئيسية، ولايمكن معالجتها بشكل جذري فتلزم بتعويض المستهلك المتضرر.