تقرير - سامي اليوسف:
عصفت الأزمة الاقتصادية ببعض رموز الأندية، منهم من انكشف على حقيقته، وآخر أثر الابتعاد، وفُسر ابتعاده هروباً.. وثالث ظل يقاوم حتى كل وتعب، فتوقف. في النادي الأهلي، ظل رمزه الأمير خالد بن عبدالله واقفاً بشموخ حاملاً على كتفه عبء أزمات النادي بصمود لا يلين، وحكمة لا يستهان بها، وبشهادة من ينتقده قبل من يؤيده..يراقب عن بعد وهو القريب، ويخطط بهدوء وخبرة، ويقرأ واقع ومستقبل «القلعة» بعين الحكيم. هو الرمز بمعناه الحقيقي، الأصيل الذي لا يتبدل، ولا يتهرب، ولا يتحجج بأسباب واهية ليبتعد ويتخلى عن مسؤولياته.. ربما لا أبالغ لو قلت: إن الأهلي اكتسب لقب «الراقي» من رُقي أخلاق وفكر وثقافة رمزه.
حرصت على الاستماع لرأيه في تصريح متلفز عقب احتفالية الأهلي في ليلة تتويجه بلقب الدوري في مواجهة الفتح بعد انتظار 32 عاماً، وخرجت بالقراءة التحليلية التالية، والتي زادت من عمق احترامي وتقديري لهذا الرجل، وبعد نظره:
- شكر وأثنى الأمير خالد كثيرًا على دور الجمهور، وقال: «إأن الجمهور ساهم في إرجاع الفريق إلى منصات التتويج» .. وفي ذلك اعتراف بدور جماهير الأهلي، وتقدير لحجم دعمها، ومساندتها للفريق واللاعبين والأجهزة الفنية والإدارية والطبية، وألمح إلى تزايد شعبية النادي عندما قال: «كنت أتمنى سعة الملعب تكون مضاعفة لكي تستوعب كل الأهلاويين».. القائد الملهم هو من يضع الجمهور في مقدمة اهتماماته، وأهدافه، ويسعى جاهداً إلى تحقيق طموحها، وتلبية احتياجاتها، يذكر فضلها في الأفراح والأتراح، ولا ينسى الإشارة إليها، والإشادة بها، فالمدرج دوماً هو رأس المال في الرياضة عموماً، وكرة القدم خصوصاً، ومجانين الأهلي يستحقون الثناء.
العمل التراكمي
- ثمن الرمز الأهلاوي لدور اللاعبين والأجهزة الفنية والإدارية والطبية، وعمل وجهد ووقفات رئيس النادي مساعد الزويهري، وهم فريق النجاح الأساسي.. الإنصاف والتقدير هما سمة من سمات القادة الملهمين، والناجحين على الدوام، وبهما يشعر العاملون بقيمة الجهد المبذول، وهما من عوامل التحفيز لعمل قادم.
- لم ينس الأمير خالد قيمة العمل التراكمي في النجاح «بناء هذا الفريق حصل من عدة سنوات، وعدة إدارات»، ولذلك أشاد بدور عمل الإدارة السابقة التي ترأسها بنجاح، وعطاء الأمير فهد بن خالد.. وهذا يعطي بعدًا آخر في التواصل والوفاء الذي يمتاز بهما الرمز.. وهذا من أسرار نجاح الأهلي، وتتويجه في اللقب، ولعل تقديم الرئيس الزويهري، ونائبه البترجي للأمير فهد بن خالد لحظة الصعود على منصة التتويج ترسيخ لهذا التثمين والوفاء من جهة لشخص الرئيس السابق، وتقدير للعمل التراكمي من الإدارة السابقة، والتي حصدته الإدارة الحالية، ولولا نقاء الأجواء الأهلاوية الشرفية بقيادة رمز النادي لما رأينا هذا المشهد المعبر.
الصندوق الأسود
- كرّر الأمير خالد بن عبدالله في تصريحه المتلفز اسم الإداري الخبير طارق كيال 3 مرات، بمعدل أكثر من ذكره لاسمي الرئيسين السابق والحالي، وهذا يؤكد على أمرين هامين: ثقته بشخص وقدرات كيال، وإشارة واضحة إلى حجم وأهمية العمل المؤثر الذي نجح في أدائه الأستاذ طارق.. فقد كان بمثابة مستودع الأسرار، أو (الصندوق الأسود) لطائرة الأهلي التي حفظت الأسرار، وكل التفاصيل دون أن تظهر للعلن، وأحد دعائم الاستقرار الفني، وخلق التوازن في علاقتيّ المدرب باللاعبين من جهة، والفريق بأجهزته الثلاثة ولاعبيه مع الإدارة وهيئة الشرف. وكان كيال بحق هو خط الدفاع الأول عن الفريق واللاعبين أمام فضول الإعلام ومناوشاته منعاً للاستنزاف الذي قد يصيب الفريق ويشوش عليه، أو يتسبب في انحراف مسار الطائرة، أو سقوطها.
عموماً كيال يتمتع بخبرة تراكمية نفعت الفريق كثيرًا بعد مباراة نجران، والتي كانت نقطة تحول في مسيرة الفريق، فقد وقف إلى جانب المدرب السويسري جروس، وأعاد إشعال الحماسة والروح القتالية لأن وجوده كان يعطي رسالة واضحة ومطمئنة للاعبين أن الفريق تحت أنظار الرمز مباشرة، وأن المشكلات المالية في طريقها للحل دون مماطلة، أو عقبات، ووجوده عزز حالة الانضباط في معسكر الفريق.
الاستقرار والطموح
- المحافظة على الاستقرار والمكتسبات.. قالها الرمز بالحرف: «وصلنا إليه -يقصد لقب الدوري- بعد جهد وتعب ومال، والمهم المحافظة على الاستقرار، والعناصر التي ساهمت في الإنجاز»، وهذه الجملة تتضمن مجموعة من الرسائل في حينها، تجديد عقود للمدرب واللاعبين المهمين المحليين والأجانب، وعدم تفريط بمن يراه الأهلاويون عنصرًا هاماً في المحافظة على توهج الفريق.
الطموح والدعم
- يطمئن رمز الأهلي جمهوره «المجانين» خلال تصريحه بقوله «طموحنا أكبر .. نحاول تدعيم فريقنا «، الحديث عن الطموح له عدة دلالات مهمة، فهو يبعث برسائل للجماهير بأن العمل لمستقبل الفريق بدأ فعلياً للمحافظة على التوهج، والقمة، والمكتسبات، فالتعاقدات الأولية، والمفاوضات الجارية على قدم وساق في تدعيم صفوف خطوط الفريق تطمئن الجماهير بأن الفريق في أيدٍ أمينة، وهي حريصة على توفير الصفقات الناجحة. أيضاً مسألة « التدعيم» هي رسالة مبطنة للاعبين بأن ثمة ضيوف جدد سينافسون على الخانة، وفي ذلكم خلق جديد لروح التحدي والمنافسة في محيط اللاعبين النجوم، والأساسيين « قاتل من أجل خانتك»، ورسالة للجهاز الفني بأن الخيارات متاحة، والضخ المالي حاضر لتلبية المزيد من الاحتياجات المحددة في مسألة دعم دكة البدلاء، وبعض الخانات المهمة.
- أخيرًا.. فإن الأمير خالد بن عبدالله كشف عن جانب مهم في فكره وثقافته الكروية عندما شدد على أن حال كرة القدم وواقعها يقول: «لا يوجد نادِ يكسب على طول»، وكذلك حينما قال « لابد من يوم حلو.. ويوم مُر»، هكذا يتحدث بروح رياضية عالية، وبأخلاق الفرسان، وهو يعيش في قمة سعادته، ونشوة انتصاره.. لم يأخذه الكبر مثل غيره ليبالغ في الفرح، أو ينتهز الفرصة للإساءة للآخر، والإسقاط عليه.. بل أصرّ على تذكير جماهير ناديه قبل غيرهم بحال، وأصول المنافسة في لعبة كرة القدم.. وحرّي بنا أن نقول هنا لنائب رئيس النادي الأهلي، ومدير الاستثمار فيه عبدالله البترجي أن يتعلم أصول التعامل مع الفرح، والمنجز.. فهذا درس بالمجان يقدمه رأس الهرم الأهلاوي لكل مشجع، ومسؤول ، ولاعب في ناديه.
الخلاصة
- «هذه هي أيام الأهلي»، بهذه العبارة لخّص رمز الأهلي الأمير خالد بن عبدالله حال فريقه فنياً وادارياً، وأنه يعيش أبهى أيامه في ظل تكامل العمل الفني والإداري مع عطاء اللاعبين المغلف بالدعم الشرفي الكبير، والمساندة الجماهيرية الفعّالة، والتي رفعت أسهم الفريق عالياً بقيادة مدربه «العجوز الخبير» سبستيان جروس حتى في التقييم الدولي للفرق والمدربين الشهري لموقع (Football Club World Ranking) حتى وصلا معاً إلى المرتبتين الثامنة في قائمتيّ مدرب و نادي الشهر، وذلك عن شهر مايو.
ويبقى دعم الأمير خالد بن عبدالله للنادي الأهلي بكافة ألعابه، وعلى رأسها كرة القدم وفرقها راسخاً لا يشوبه شكك، منذ الأزل، وأن رقي ألعاب، وفرق الأهلي تدين بالفضل بعد الله إلى حالة الاستقرار الشرفي، والمرجعية الشرفية التي يتفق عليها كافة الأهلاويين بمختلف فئاتهم التي يوفرها الرمز، ويدعمها.