د. أحمد الفراج
مرت الولايات المتحدة بأزمات تاريخية، وكانت الانتخابات الرئاسية إحدى ميادينها، فالرئيس التاريخي، إبراهام لينكولن، واجه مقاومة شرسة، في انتخابات الرئاسة لعام 1860، ثم واجه مقاومة أشرس، في انتخابات 1864، فقد حاول المحافظون الإطاحة به، لأن الإطاحة به تعني تأجيل تحرير الأرقاء، ولكن لينكولن استطاع - ببراعة - الفوز، وبالتالي خوض حرب شرسة، انتهت بإلغاء الرق، ولم ينته الأمر هنا، فقد كان المحافظون يتربصون بكل مرشح رئاسي، ينوي إكمال ما بدأه لينكولن، وعندما بدأت إرهاصات استصدار قانون الحقوق المدنية، وذلك للمساواة بين البيض والسود، في أربعينيات القرن الماضي، برز سياسيون يقفون لهذه الخطوة بالمرصاد، وكان من أبرزهم عضو مجلس الشيوخ الشهير، عن ولاية جنوب كارولينا، ستروم ثرموند، الذي انشق على الحزب الديمقراطي، وترشح للرئاسة كمستقل، في انتخابات الرئاسة لعام 1948، وقد فشل في ذلك السباق، والذي انتهى بفوز الرئيس هاري ترومان بفترة رئاسية ثانية.
في عام 1960، فاز الرئيس جون كينيدي بالرئاسة، وقد كان كينيدي حريصا على أن ينجز قانون الحقوق المدنية، للمساواة بين البيض والسود، وكان قد سافر إلى أعماق الجنوب الأمريكي، واطلع بنفسه على الأحوال البائسة، التي يعيشها السود في أمريكا، إذ تم تحريرهم من الرق، في عهد الرئيس لينكولن، ولكنهم لم يحصلوا على المساواة مع الرجل الأبيض، ولذا كانوا يعيشون في ظروف غاية في السوء، في فقر مدقع، وأحوال معيشية وصحية بائسة، وقد أخذ الرئيس الشاب، جون كينيدي، على نفسه عاتق استصدار قانون الحقوق المدنية، ولكنه اغتيل في ظروف غامضة، قبل أن يتم ذلك، ثم صدر قانون الحقوق المدنية في عهد نائبه، وسلفه، الرئيس ليندون جانسون، وغني عن القول إن كل متابع للشأن الأمريكي، يعلم أن القانون كان من جهود الرئيس كينيدي، وشقيقه المعروف، روبرت كينيدي، وزير العدل حينها، وقد اغتيل روبرت كينيدي، هو الآخر، بعد ذلك، على يد الفلسطيني، سرحان سرحان، في ظروف غامضة، لا تزال أسرارها مجهولة .
تمر أمريكا بظروف عصيبة مشابهة، وذلك منذ انتخاب الرئيس الأسود، باراك اوباما، إذ كثرت الحوادث العنصرية، خصوصا من أفراد الشرطة البيض، ضد المواطنين السود، ثم جاءت الطامة مع ترشح المثير للجدل، دونالد ترمب، واكتساحه، وفوزه بترشيح الحزب الجمهوري، رغما عن الجميع، ومثلما أن الرئيسين إبراهام لينكولن وجون كينيدي واجها مقاومة شرسة من المحافظين، فإن دونالد ترمب، ورغم اكتساحه، يواجه مقاومة شرسة من المعتدلين، والذين يرون في فوزه خطرا على القيم الأمريكية، وما علينا إلا أن نتابع جهود التيارات المعتدلة، فقد تنجح في إبعاد المرشح الخطر، دونالد ترمب، عن البيت الأبيض، كما نجحت ذات التيارات في دعم الرئيسين لينكولن وكينيدي فيما مضى، فأمريكا لا تتحمل رئيسا مضطربا من شاكلة دونالد ترمب، ولكن من يدري، فنحن نعيش في عالم مليء بالمفاجآت والجنون.