الحرية هي الرغبة في أن نكون مسؤولين عن أنفسنا
- «إبراهام لنكولن»
جمعتنا كثيراً وفرقتنا أكثر
أدوات التواصل الاجتماعي هذه التي حلت في حياتنا محل صلة القرابة والقبيلة وزمالة العمل والجوار.
من خلالها نعرف البعيدين جداً في العالم، نتواصل معهم ونتشاطر أدق خصوصياتنا، وفي المقابل نما بيننا وبين جيراننا وحتى داخل الأسرة ألف جدار.
أصدقاؤنا الافتراضيون الذين ما عادوا افتراضيين هم اليوم القبيلة الكبيرة التي ننتمي إليها.
البعض ينكر ذلك أو يقلل منه لكن الواقع غير هذا وكل شيء في حياتنا يُعاد تشكيله ومن خلال أدوات التواصل هذه والإنسان كائن اجتماعي بطبعه ينشد الدفء والمشاركة والتشاطر ولن يرفضها حيث ما وجدت ويسعى لها.
لنا نحن السعوديين القضية أعمق كثيراً من أدوات تواصل اجتماعي كما هي لدى الآخر لنا هي المكان الذي صحونا ذات يوم ووجدنا أنفسنا فيه متحررين من الكثير من القيود والمحاذير، فقط نحن ببشريتنا وإنسانيتنا ونقائصنا وكمالنا وفيه نكون نحن وعندما نغادره نعود نتخندق خلف أقنعتنا ومثالياتنا وتنظيراتنا وما هو مفروض علينا.
وربما نكون الأكثر الذين لنا أكثر من رأي وأكثر من خطاب وأكثر من وجه وحسب الحالة والمكان والجمع الذي نكون فيه.
مؤكداً اليوم ودون إنكار أن المجتمع ولسنوات طويلة تعرض إلى عملية فصل قهرية وقسرية ومبالغ فيها بين الجنسين وصلت لدرجة القطيعة بين الجنسيين وشكّل ما يشبه الرهاب الاجتماعي والهوس العاطفي حتى لا نقول الجنسي وتحول المجتمع «ولا أقول في المجمل» إلى ما يشبه الصياد والطريدة ووصل القلق والخوف على أخلاقياته إلى حد اقتراح البعض هدم المسجد الحرام وإعادة بنائه بطريقة تمنع الاختلاط بتاتاً كتلك الفتوى الشهيرة لأحد مشايخ الصحوة, هذه الفتاوى ومثلها الكثير صورت المرأة على الدوام كوعاء للشر وصورت خروجها من بيتها خروج للرذيلة وصورت في المقابل الرجل كشيطان مسكون بالرغبات المتلفتة والضعف في السيطرة على نزواته مسقطة كل حس إنساني أو أخلاقي يتحكم في هذا الغرائز وينزلها حيث تكون كما كان سائداً في مجتمعنا من قبل وكما هو في كل مجتمع بشري سوي.
ومن دون شك فقد أوجد هذا التطرف في الفصل بين الجنسين نوعاً من الهوس العاطفي أخذ الشكل الجنسي أو « الليبيدو» كما سماها فرويد وفسره بأنه أعمق النوازع الكامنة في لا وعي الإنسان الباطن. والحديث في هذا الموضوع مليء بالمحاذير ولهذا سأتوقف هنا.
أدوات التواصل الاجتماعي هذه كسرت ولو قليلاً هذا (التابو) الاجتماعي وأوجدت منافذ ومساحة اتّصال وتواصل بين الطرفين الرجل والأنثى، ومن خلاله اكتشف الرجل والمرأة أو تأكد له أن هناك مساحات إنسانية مشتركة بينهما ومساحات للثقة والحديث وتشاطر النقاش في مشتركات كثيرة وحتى المشاعر الإنسانية التي هي جزء منا، وفي المجمل تجذَّرت علاقات أكثر أخلاقية بين الطرفين منها قبل الفصل المطلق ورتب وهذب وقنن هذه العلاقات الوعي والثقة المطلقة وباختصار «تأسننت» أو «تأنست» (من إنساني) العلاقة بين الطرفين على مشتركات أكثر ولن ننفي التجاوزات هنا وهناك والتي هي ملمح بشري يحدث في كل علاقة والتي حتما ستتقلص وقد تقلصت كثيراً ليبقى ما هو أخلاقي.
ونحن بخير ومجتمعنا بخير وأبناؤنا وبناتنا في دول وجامعات العالم وحدهم ودون وصاية يقدمون نماذج تضيء ويمارسون الحرية بشرطها الواعي ويخففون الصورة المعتمة التي يصدرها الآخر وللأمانة وللحقيقة فإن ما تقدمه الفتاة السعودية من نموذج مشرف في الخارج يجعل الشعور بالوصاية عليها في الداخل أمراً مجحفاً وغير مبرر أبداً ومهما جيرنا النصوص الدينية من أجل ذلك.
قلت في البدء عن أدوات التواصل إنها جمعتنا كثيراً وفرقتنا أكثر.. لقد فرقتنا داخل نطاق الأسرة إذ ما زلنا نصر على الوصاية بمفهومها التقليدي المتوارث مما جعل الحوار داخل الأسرة يصمت ويحتمي الكل بشاشات حاسوبه أو هاتفه مفتشاً عن منافذ في البعيد.. البعيد جداً منافذ تقدر حسه البشري.
- عمرو العامري