رفحاء - حمود الطريف:
ما أن تمر بمحافظة رفحاء التي تقبع في أقصى الشمال بمحاذاة الحدود العراقية، إلا ويتراء أمام ناظريك قلاع وحصون وكهوف يعود تاريخها إلى قرون بعيدة تمتد لآلاف السنين، حيث يأخذك المكان إلى ماضٍ وحضاراتٍ وعصورٍ عاشت فيها شخصيات ارتبطت أسماؤها بتلك الحقب، فكتبت أسماؤها بأحرف من نور، ومن ضمن تلك الشخصيات: زبيدة بنت جعفر الأكبر بن أبي جعفر المنصور زوج الخليفة العباسي الخامس هارون الرشيد، فالذي يريد أن يزور الديار المقدسة لحج بيت الله بمكة المكرمة فلابد له من السير على طريق ما يعرف بـ«درب زبيدة»، الذي ظل منذ العصر العباسي حلقة اتصال مهمة بين الحرمين والعصر العباسي، ينقل الحجاج إلى الديار المقدسة في ذاك التاريخ البعيد، وأصبح من أهم الآثار العريقة في شبه الجزيرة العربية، حيث يقع هذا الدرب وسط حصون وقلاع كانت تستخدم لتأمين الحجاج؛ ويبلغ عرض الدرب 15 متراً، كما أنه يمر بالعديد من الجبال والرياض والمرتفعات والمنخفضات.. إلا أنه اندثر تماماً بعد أن هاجمته عوامل البيئة والتعرية، وأصبح يعاني الأمَرّين.. «الجزيرة» جالت في المنطقة ورصدت هذه المشكلة، وجلست إلى عدد من الأهالي والمسؤولين في المنطقة.
يقول علماء الآثار إن «درب زبيدة» ذكر في كتب الجغرافيين والرحّالة القدامى من المسلمين وغيرهم، منهم الرحالة الفنلندي جورج فالين، كذلك ذكرته السيدة الليدي آن بلنت في كتابها (رحلة إلى بلاد نجد) ولا يكاد يعرف هذا الدرب في الوقت الحالي إلا كبار السن أو المهتمين بهذا المجال، إذ أنه اندثر تماماً، وأصبحت السيارات التي تسلكه، يخيّل لمن يسير عليه أنه طريق صحراوي بسبب عدم وجود لوحات تشير إليه. يمر درب زبيدة (درب الحج) بجوار محافظة رفحاء التي تقبع في أقصى الشمال بمحاذاة الحدود العراقية، ويبلغ طوله داخل الأراضي السعودية نحو 1400 كم، ويبلغ عرضه 15 متراً، ويمر بالعديد من الجبال والرياض والمرتفعات والمنخفضات، ويربط بين الكوفة في العراق ومكة المكرمة، وهو مُصنّف على أنه واحد من أهم وأعرق الآثار التاريخية لدى المملكة، ظلّ في السنوات الماضية يعيش وضعاً مأساوياً بعد أن طالته يد الخراب بفعل التعرية والعوامل البيئية، ففي المناطق الجافة تكون تعرية الرياح شديدة خاصة المناطق التي تحاصرها الرمال المتحركة، مما يجعل الآثار في المنطقة «مخنوقة» والإهمال من قبل الجهات المختصة المسؤولة عن هذه الآثار في المنطقة، بعدما تهدم وتلاشى معظمه، وتساقطت لوحاته الإرشادية، وأصبح بحاجة ماسة لمتابعته وصيانته وترميم ووضع لوحات دلالية عليه، إلى جانب آثار أخرى تحتاج أن تمتد إليها يد التعمير والحماية من الاندثار كالكهوف، والحصون، والقلاع التي كانت تستخدم لتأمين الحجاج.
بركة الظفيري
ومن البرك الأثرية قرب محافظة رفحاء.. «بركة الظفيري» وهي أولى محطات هذا الدرب في الحدود السعودية وتقع شمال المحافظة بالقرب من الحدود السعودية العراقية، وثاني محطاته هي بركة العمياء، ويليهن بركة الجميماء الواقعة بالقرب من محافظة رفحاء، حيث تبعد عن المحافظة حوالي الـ 5 كيلو متر. وهناك برك زبالا التي تهدمت أطراف الكثير منها، ودفنت بالتراب، وعليها لوحات قديمة لا ترى كتابتها، وبركة الشاحوف وأم العصافير والشيحيات, وحصن زبالا الذي تكاد أن تختفي معالمه الأثرية. ومن تلك الآثار الخالدة في ربوع المحافظة قصر الإمارة في لينة، حيث تم إنشاء هذا القصر في العام (1354هـ) ليكون مقراً لإمارة المنطقة في السابق، وهو مبني من الطين والحجارة، ويتوسط قرية لينة المعروفة والتي تبعد عن محافظة رفحاء مسافة 90 كلم، وفي زوايا القصر الأربع توجد أبراج دائرية الشكل للحراسة والمراقبة ويوجد كذلك في القصر مسجد سقف من سعف النخل، وفي أحد أطرافه بئر وتفتح بوابته ناحية الجنوب، وتم ترميمه قبل عدّة سنوات من قبل المسؤولين في الهيئة إلا أنه يحتاج إلى إعادة الحياة فيه واستخدامه في المناسبات، وجعله متحفاً أثرياً لأبناء المنطقة كونه يحاكي لهم حقبة من الزمن، وعموماً فهذه الآثار هي الأبرز على هذا الدرب إذ أنه يوجد العديد من الآثار غيرها في المحافظة وهي بحاجة للاهتمام والعناية من المسؤولين عنها في الهيئة العليا للسياحة ووكالة الآثار والمتاحف، وإبراز مكانتها التاريخية المهمة، ومحاولة ترميمها وإحيائها، للاستفادة منها من الناحية السياحية، والمحافظة على ماضي تلك الشعوب السالفة كآثار قرية لوقة وغيرها.
أشهر المواقع
المواطن سلطان عقاب الرخيص، أحد المهتمين بالتراث في المحافظة، دعا فرع الهيئة في المنطقة إلى ضرورة إحياء معالم الآثار جميعاً، كما طالب الهيئة بأن تحدد هذه الآثار من أجل أن تتابع عملية الترميم، كاشفاً عن أن قرية لوقة الواقعة غرب محافظة رفحاء تعتبر من أغنى وأشهر المواقع الأثرية في المنطقة، مطالباً بأن يتم معاينتها، والبدء في عملية ترميم آثارها عاجلاً وبمجرد الانتهاء من مرحلة ترميم آثار قرية زبالا. ويقول المواطن حمدان الشمري، بأن محافظة رفحاء من أغنى محافظات الشمال بالآثار، حيث يمر بها درب الحج المشهور بدرب «زبيدة» الغني بالآثار التاريخية، وكذلك يوجد بها العديد من البرك والقلاع والحصون، ناهيك عن القرى الأثرية التابعة لها كقرية زبالا، ولوقة، ومركز لينة. وناشد الشمري، الهيئة بأن تكمل مسيرتها في عمليات الترميم والإحياء لجميع هذه الآثار وفتحها للجميع، وإقامة الفعاليات والمهرجانات الموسمية فيها تخليداً لعبقها التاريخي، وإحياءً للحركة الاقتصادية في تلك المواقع، مطالباً بأن لا تكون عملية الترميم من أجل حفظ هذه الآثار فقط، بل أن تفتح أمام الناس للاستفادة منها في جميع المناسبات في المحافظة أو في المنطقة.
المواطنون يناشدون
ويناشد مواطنون الهيئة العليا للسياحة، بضرورة الالتفات لآثار المحافظة وخصوصاً درب زبيدة (درب الحج) لكونه الأشهر تاريخياً في آثار هذه المحافظة، وترميم هذا الدرب، ووضع لوحات إرشادية، ولوحات أخرى يسجّل عليها أسماء تلك الآثار من برك وقلاع وحصون.
ويرى عدد من المواطنين ضرورة تدخل هيئة الآثار للعناية بتلك الآثار عامة، كون المحافظة وقراها غنية بالآثار العريقة التي يفترض من المسؤولين مراقبتها بشكل دوري، وتوظيف حراس عليها، وتفعيل دورهم الإرشادي، لكون بعضها الآن لا يوجد فيها حراس يقومون بحمايتها من أيادي العابثين. ويطالب السليطي بإبراز هذه المعالم الأثرية التي ستجذب السياح فيما لو تم ترميمها، ووضع لوحات تحمل أسماءها، وأخرى دلالية تشير إليها على الطرق المحاذية لها لتوجيه الأنظار إليها والمحافظة على مكانتها التاريخية المهمة.
الأهالي يرحبون
ويقول عدد من السكان، إن هيئة السياحة والتراث الوطني بدأت في عملية الترميم وإحياء هذه الآثار تخليداً لها ولأهميتها التاريخية، حيث شكلت فرق بحث وتنقيب عن هذه الآثار، ووجدت منها بعضاً من المعالم المهمة التي دفنتها الرمال بفعل عوامل التعرية ومرور السنين عليها. وقالوا: إن الهيئة تعتزم إعادة جميع هذه الآثار بالترميم، وعمل برامج سياحية فيها في مواسم المناسبات السنوية، حيث رحب أهالي المحافظة بالخطوة، ووصفوها بالرائعة من قبل الهيئة متمنين أن تكون نواة لإحياء جميع آثار المحافظة وقراها الأخرى، في الوقت الذي تعتبر فيه المحافظة بوابة الآثار في منطقة الحدود الشمالية، إذ أن درب زبيدة المشهور في المنطقة هو أول منازله في الحدود السعودية وقد تلاشت جميع معالم هذا الدرب وقلاعه وحصونه الأمر الذي حدا بالهيئة البحث عنه، وإحياءه من أجل الحفاظ على هذه الآثار، وكذلك إحياء الحركة الاقتصادية السياحية في المحافظة وقراها، مبينين أن المحافظة تفتقر للمهرجانات الموسمية والصيفية الأمر الذي يجعل الهيئة مساهمة في عملية إحياء المحافظة اقتصادياً، كما أنها ستساعد في عملية الجذب السياحي، إيماناً منها بأن إحياء مثل هذه الآثار ستكون من أهم المعالم الجاذبة للحركة السياحية والاقتصادية في المحافظة على وجه الخصوص وفي المنطقة بشكل عام.
أخيراً .. تحركت السياحة
استجابت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ممثلة فرعها بمنطقة الحدود الشمالية للمناشدات العديدة من الأهالي والإعلام وتحركت مؤخراً و بدأت في تنفيذ مشروع ترميم آثار محافظة رفحاء، وقد كانت البداية من آثار قرية زبالا الواقعة جنوب محافظة رفحاء على مسافة 25 كلم؛ وتعتبر هذه القرية من أغنى قرى وهجر المحافظة بالآثار التاريخية المتنوعة، حيث انتقد عدد من الأهالي بالمنطقة تأخر هيئة السياحة وبطء تحركها في عملية الترميم،مشيرين إلى أنها جاءت بعدما نالت عوامل التعرية من الآثار مما أدّى إلى تهدم وتلاشي العديد من ملامحها الأثرية، وكشفوا عن أن هذه القرية يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام، حيث سُميت هذه القرية نسبة إلى زُبالة بنت مسعود من العماليق (أول من سكن يثرب) وزبالة هجرة يصل تعداد سكانها إلى حوالي (200) نسمة وتقع جنوب المحافظة، مبينين أن هذه القرية وصلت أوج اتساعها في العصر العباسي المبكر، ولقد احتفظت باسمها إلى وقتنا الحاضر، مشيرين إلى وجود العديد من الآثار التي التفتت لها هيئة السياحة مؤخراً، منها قصر زبالا الأثري، أو ما يعرف (بالحصن) كما يوجد بها كذلك العديد من البرك والقلاع والحصون والآبار التي تزيد على 300 بئر أغلبها دُفِنت بسبب عوامل التعرية.
** ** **
إحياء التراث
بدوره أوضح لـ«الجزيرة» مدير عام السياحة والتراث الوطني في منطقة الحدود الشمالية الدكتور جهز الشمري، بأن عملية التنقيب عن الآثار وترميمها، تجري على قدم وساق وفق خطط مدروسة ومراحل معينة وأضاف: «ستطول هذه الترميمات جميع آثار قرى محافظة رفحاء ودرب زبيدة، بهدف إحيائها سياحياً، وفتحها أمام المواطنين، والاستفادة منها وتشغيلها في المناسبات السنوية التي تقام في المنطقة»؛ مشيداً بجهود جميع الشركاء الذين يعملون مع الهيئة في سبيل إحياء تلك الآثار.
وأكد الشمري، بأن عملية تهيئة الآثار ستستمر في جميع المواقع الأثرية، كذلك العمل على إحياء درب زبيدة وفق مراحل معينة، مع مراعاة توفر الخدمات للزوار في جميع تلك الأماكن.