تعتبر حرية الرأي والتعبير من أهم حقوق الإنسان وهي جزء من الحقوق السياسية والمدنية، تتضمن الحق في التعبير عن الأفكار والآراء بالطرق المتاحة التي لا تخالف الدين والقوانين والأعراف السائدة والآداب. وحرية الرأي تضمن للإنسان أن يحيا كريماً مطمئناً وأن يشارك الآخرين رأيه ومن خلالها يمكن أن يطالب بحقوقه ومطالبه وينتقد ما يكون غير مناسب.
كثير من الدول المتقدمة تحض على إقرار مفهوم الديموقراطية وفق بعض المبادئ والشروط التي لا تؤدي للإساءة وانتهاك حقوق الآخرين، ووسائل الإعلام بكافة أشكالها تؤكد على التعبير عن كل الأفكار المتباينة والمتشابهة ولكن في بعض بلدان الوطن العربي تحتاج إلى وقت لتستطيع تقبل مفهوم حرية الرأي بشكل واضح، وذلك يعود لأفراد المجتمع نفسه لأن حق حرية التعبير عن الرأي راجع بحسب الخلفيات الثقافية للفرد وخبراته وتوجهاته وتصوراته، وهناك فئة ونسبة كبيرة متمسكة برأيها ومُعارِضة لمن يخالفها دون احترام ترفض رأي الطرف الآخر حتى لو كان صواباً. يجب أن تكون حرية الرأي وفق الضوابط المحددة والمشروعة من القيم والأخلاق والدين وعدم إلحاق الأذى بالآخرين وإلا ستستمر هذه الفئة بالتعصب وتتعزز لديها مشاعر الكره وستصبح حرية فوضى تعود بالسلب على المجتمع وأفراده.
إن قمع رغبة الفرد لحرية التعبير لديه أصبحت كبش فداء لرضا الآخرين حتى لا يُغضبهم ويخالف تصوراتهم عنه، فهؤلاء الناس اعتادوا على جذب من يشبههم في آرائهم ونبذ كل من يخالفهم فيها كأنهم أحزاب ولهذا ينبغي أن يعرفوا أن الاختلاف في حدود الأطر المشروعة أمر طبيعي يدل على سلامة المجتمع لأنه من خلاله يمكن تعميق الاتصال مع مختلف الأفراد وفتح طرق للتواصل من أجل الحوار والنقاش لتطوير وإصلاح المجتمع.
يمكن أن نستشف مدى حرية التعبير عن الرأي في مجتمع ما من خلال تعامل أفراده وردود فعلهم تجاه بعض التيارات الفكرية والقضايا المستحدثة مثلاً وغيرها من الأمور التي تحدث في المجتمع ومواقع التواصل الاجتماعي خير دليل على ذلك، نحن نعلم أن كل ما هو جديد على المجتمع مرفوض إلى أن يتم القبول والاعتراف فيه خلال فترة من الزمن ولكن طالما أنها أفكار وقضايا مستحدثة فهذا لا يعطي الآخرين الحق في رمي التهم على من يؤيدها والنيل منه، والعكس صحيح لا يحق لمن يؤيد ويتماشى مع فكر وقضايا معينة أن يمارس الاستبداد ويسخر ويعادي ويتعصب ويُلزِم الآخرين لما يؤمن به فحرية الرأي سلوك وارتقاء قبل أن تكون تعبيراً.
إن ثقافة حرية التعبير عن الرأي في مجتمعاتنا يجب أن تتم إعادة النظر فيها مرة أخرى وكل فرد مسؤول عنها في مجتمعه والأسر التي تربي أبناءها على ممارسة هذا الحق تستطيع أن تنشئ جيلاً واعياً مثقفاً يشعر بالاحترام ويستطيع أن يفهم الآخرين وما يحيط بالعالم ويتبادل الخبرات والأفكار بكل أريحية مما يوسع من مداركه ومعتقداته وتكوين حياته وهذا بلا شك ينعكس على تقدم المجتمع. ولا نغفل أن المؤسسات التعليمية تُدعِّم دور الأسرة فينبغي أن تُعزِز هذه الثقافة وأن تعطي فرصة للجميع لإبداء آرائهم وإيجاد بيئة مناسبة للنقاش والنقد والتحاور بين الطلاب والمعلمين. أيضاً الإعلام والصحافة لها دورها البارز في التأثير على المجتمع التي تجعله يؤمن بالتعددية وتقبُل اختلاف الآخرين بأنواعهم، وعلى الجهات المختصة ألا تضيق هذا المفهوم أمام الصحافة والإعلام.
نستطيع الارتقاء بمجتمعاتنا عندما تُدعّم الحكومات والسلطات والمنظمات بما يكفي لحرية الرأي وأن تكون قريبة من الشعب ليتم التعرف على مخاوف وأفكار وتطلعات الأفراد بما يسهم في التطوير والتحسين وترسيخ الحكم الرشيد. يجب أن نتعلم احترام آراء ومعتقدات الآخرين وأن نناقشها دون إساءة حفظاً للود والتفاهم، وأن نكسر حواجز الصمت ونمارس حقنا في التعبير عن الرأي دون قمع أو تردد لنكون بذلك نموذجاً للديموقراطية داخل الوطن العربي.