الدمام - فايز المزروعي:
أكد اقتصادي ضرورة استمرار صندوق التنمية العقاري في تمويل الوحدات السكنية للأفراد أو كبار المستثمرين، إلى جانب أهمية أن يكون ذلك التمويل على فترات معقولة، لا تتجاوز 10 أعوام؛ وذلك لحاجة الصندوق إلى دورة أموال ليست ببعيدة، تساعده على تحقيق أهدافه. وقال سعد بن عايض آل حصوصة لـ«الجزيرة» إن قلة المبالغ الداخلة إلى الصندوق، التي يقابلها في الوقت ذاته كثرة المبالغ الخارجة منه، مع ديموغرفيا البلاد التي يمثل الشباب فيها نحو 70 %، ستكون بدورها عامل ضغط كبير على الصندوق؛ ما قد يعيق تحقيق الهدف الذي يسعى إليه؛ لذا فإن استمرار تمويل الوحدات بشكل متواصل على فترات معقولة سيكون حلاً عمليًّا لتزايد المستفيدين من الإسكان، وإيفاء الصندوق بمهامه.
وأبان آل حصوصة بأن مثل هذه الأدوات كفيلة بضبط قواعد أسعار العقار على فترات طويلة، إضافة إلى تفعيل استفادتنا من القطاع العقاري المهم بشكل أكبر في تأسيس وبناء اقتصاد متكامل، يشمل التمويل، البناء، الاستثمار، التوظيف والتوطين، ودعم الصناعات المرتبطة بالبناء، ولزيادة استفادة المواطنين من خدمات الصندوق. مشيرًا إلى أن من ضمن الأدوات أيضًا دعم المستثمرين وتحفيزهم لتحقيق توازن السوق من خلال توفير مساكن بأسعار مناسبة؛ إذ إن هناك مستثمرين سعوديين ثقات، حينما أعطوا الفرصة والأدوات أنجزوا استثمارات بالمليارات في التطوير العقاري لدى دول قريبة منا؛ الأمر الذي يحتم علينا الاستفادة من مثل هذه الخبرات التي أثبتت كفاءتها ونجاحها في تلك الدول.
وقال آل حصوصة: مشكلة الإسكان يشترك فيها ثلاثة أطراف، تشمل الدولة من خلال الأدوات التشريعية والمحفزات للمستثمرين الجادين والعقاب للمحتكرين والمستغلين للظروف الاقتصادية والمواطن. أما الطرف الثاني فيتمثل في المستثمر الراغب في البناء والتطوير؛ إذ لا بد من وضع محفزات له لدوره الكبير في سد حاجة الإسكان. أما الطرف الثالث - وهو العنصر الأهم - فيتمثل في المواطن الراغب في الحصول على وحدة سكنية، الذي يجب أن يربط التزاماته المالية مع احتياجاته العائلية بوحدة سكنية، تدمج بين العنصرين، وأن لا يرهق نفسه بأحلام غير واقعية، مع مراعاة القانون الطبيعي في الأسواق الحرة في ذلك كله، المتضمن دعم المستثمر وتشجيعه على الاستثمار محليًّا، مع المحافظة على حقوق المستفيدين من الخدمات، من خلال تشريعات وقوانين، تُحدُّ من الاحتكار والمبالغة في الأسعار. ولفت آل حصوصة إلى أن الفلسفة الاقتصادية لآدم سميث قبل أكثر من 200 عام، التي تؤكد أن التوازن الاقتصادي لن يتم إلا إذا تساوى العرض مع الطلب، تصعب كثيرًا في الوقت الراهن نظرًا للاستغلال والاحتكار الموجودين في السوق العقاري، لكن من خلال بعض الإجراءات والأدوات التي تسنها الدولة سيتكون هذا التوازن إلى حد ما، مع عدم إغفال النظرة الطبيعية للاستثمار في القطاع العقاري، وأنه من أهم إحدى القنوات الاستثمارية التي يجب المحافظة عليها وتنميتها، ويُعد مؤشرًا إيجابيًّا على سلامة الاقتصاد، ومحركًا أساسيًّا للصناعات المرتبطة به.
وقال آل حصوصة: لنرجع إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي، حينما حدثت الطفرة الاقتصادية الأولى كان من الطبيعي أن تتجه في تلك الأيام السيولة والفوائض للقطاع العقاري نظرًا لقلة القنوات الاستثمارية في ذلك الوقت؛ إذ وصلت أسعار العقارات إلى أرقام خيالية، تتجاوز بمراحل ما نراه الآن؛ إذ أصبح تملك العقار شبه مستحيل لمعظم طبقات المجتمع نظرًا لمحدودية الدخل لدى النسبة العظمى من المواطنين، ولكن هنا لا بد أن نتساءل كيف تداركت الدولة هذه المشكلة ذلك الوقت؟ إذ أنشأت في 1975م الصندوق العقاري، وكانت الأدوات التي استخدمها الصندوق تتمثل في تمويل كل من المستفيدين أو المستثمرين الراغبين في بناء عدد كبير من الوحدات السكنية للاستثمار، التي غطت حاجة الغالبية العظمى من المقيمين، وكذلك المواطنون الذين لا يرغبون في تملك الوحدات سكنية لأي سبب؛ إذ كان لهذا التوجه النتيجة الحتمية لانخفاض أسعار الإيجارات الذي يرتبط مباشرة بأسعار العقارات وبالقرار الاستثماري؛ إذ ينخفض الطلب على العقارات فتأخذ في الاتجاه العكسي النزولي. وفي واقع الأمر يبدأ المضاربون في العزوف عن الاستثمار العقاري الهادف للمضاربة، وعليه تتجه أسعار العقارات إما إلى الثبات أو الانخفاض. وعودًا إلى تلك الحقبة، وهي من مفارقات الزمن؛ إذ كان آباؤنا في ذلك الزمن يبنون وحدة سكنية تتكون من أربع شقق، يستخدم إحداها، والأخرى يتم استغلالها كدخل إضافي. كذلك اتجه الكثير من كبار ملاك العقار إلى البناء مستغلين القروض المقدمة من الصندوق. وفي هذه الحالة زاد عرض الوحدات السكنية عن الطلب فأخذت أسعار الإيجارات في الانخفاض، وكان الأثر المباشر هو الانخفاض الحتمي لأسعار العقار نظرًا إلى أن تكلفة الإيجار معقولة جدًّا للمستأجر وغير مجدية للمضارب، وهنا كانت قاعدة آدم سميث هي التي انتصرت في إعادة التوازن للسوق العقاري في تلك الحقبة.