لله هو
لم تكن حياة رجل مرّ ورحل.. ولم يكن كسواه من عابري الطريق!
الشيخ محمد بن عبدالله بن عودة
تماهت معه المشيخة حتى باتت له عوضاً عن اسمه !
عاش الحياة بطولها عظيماً بثياب العنفوان
كبرياء الرجال.. بروح صدقٍ لم تكن من قبل
ألسنا شهود الله في أرضه؟
فلله الشهادة ..
لم أر رجلاً تصالح مع ذاته كما كان يفعل
سيرةٌ في العمل جذلى، تتعدد صباحاتها..
غير أنها تبات على مساءٍ واحد باذخ الحكمة رويّ العطاء
رغم أني لم أر من حياته الكثير..
لكن حسبي ما رأيت وما سمعت -وقد سمعت عنه ما يرفع الرأس في مجالس علت وارتقت جاهاً وشأناً - وحسبي ما ورثني إياه والدي رحمه الله من حكايا عن الشيخ شنّفت أذني يوم أن كنت فتىً ، وتشربها عقلي بعد حين ..
وجهٌ واحد عاش به في زمنٍ سادت به ألوان الوجوه
هيبة لم يكن يصنعها سواه
ومحيا باسم..تتلوه قسمات صوته الكامن في أعماق الخلود
الجاه وحده حينما يُبذل..فثمّ مجدٌ كُتب
فكيف وقد جمع الشيخ للجاه سماحة الخلق ولين الجانب وكرم الوفادة
وطريقاً خطه في الحياة.. نهم المعرفة وناصع السيرة
أسرج الشيخ ركائب مجدٍ بلغت مطاياها ما ساوق الطيب رجاله.
منذ صغرنا.. وصوته يصنع المغايرة حيثما حضر
مازال لوقع أقدامه حين يترجل هنا أو هناك الأثر الخالد في الذاكرة ..
لا تمحوه السنون.. ولن تفعل!
لله أنت ياشيخ
ولله ذكراك حيث تنثال عطراً لا يورثه غيرك
تقدستْ روحك في العلياء أيها النقي
والله ما مرّ بنا مثلك.. وما أصعب أن تتكرر في الرجال!
شامة على ناصية البلد، سيرته كتاب حياة.. جاءت صفحاته كأشبه ماتكون شهادةً على العصر ، وريّاً لبانوراما وثائقية عن الوطن .. والناس.. والتاريخ
رحل «الشيخ»..
أما نحن .. فقد توارى صوت الناعي إذ نعاه في مكامن كمدٍ لم يكن من قبل
وبتنا بعده أيتاماً نستشرف -وجداً وسلوى- شيئاً من سيرته.
أما هو.. فوالله لا يرى إلا خيراً
حيث لم يعلم الناس منه إلا الخير كله
تبارك ذكرك ميتاً..
كما كان حينما كنت: وسماً على وجه الحياة
أما وقد قدّر الله رحيلك
فلا سلوى سوى ما نرجوه لك من الكريم الأكرم
العزاء ليس لخاصة أهلك فقط..
هو لهم ولنا ولكل من مررت بذاكرته أيها الآسر في عمق الزمن..
اللهم رحماك به ووالدينا ووالديهم يا من هو أرحم وأكرم.
سعوي الشيخ علي: عندما اختار الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- فضيلة الشيخ عبدالله بن عوده السّعوي -رحمه الله- للعمل في القضاء في أكثر من موقع منها منطقة جازان ثم المنطقة الشرقية توسّم في ابنه محمد نبوغاً و تطلعاً إلى العلم و العمل فاصطحبه معه في جميع الأعمال التي كُلِّف بها ، فكانت تجربة رائدة أدرك معها محمد بن عوده أن الطموح إلى المعالي إنما يكون بالمعاني ، فكوّن ذاته و بنى نفسه و عكف على الطلب و التحصيل والاستزادة من العلوم و المعارف و تجارب الآخرين حتى أصبح مؤهلاً تأهيلاً عالياً
و ممن يُعتمد عليه في المهمات الصعبة ولا أدل على ذلك من اختياره رئيساً للمحكمة الكبرى في الرياض في أواخر السبعينات الهجرية و في غضون الثلاثين من عمره.
سعوي الشيخ علي: وكان ذلك بقرار من سماحة رئيس القضاة آنذاك الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
ثم انضم بعد ذلك إلى فريق العمل مع سماحته المنوط به مراجعة الأحكام القضائية على مستوى المملكة، وفيما بعد التحق بهيئة كبار العلماء و عاد مرة أخرى إلى وزارة العدل و تُوِّجت خدماته بثقة خادم الحرمين الشريفين بتعيينه رئيساً لتعليم البنات بمرتبة وزير . و أثناء كل ذلك و قبله و بعده ، فقد ضرب محمد بن عوده أروع الأمثلة في الولاء و الانتماء و التواضع و الحلم والمروءة و الكرم ، وحتى بعد إعفائه عن العمل بناءاً على طلبه لم تنقطع صلته بالناس وعلى نحو يومي رحمه الله و غفر له و بارك في عقبه و وفقهم للسير على خطاه.
علي بن سليمان السَّعوي - الرياض - رئيس محكمة استئناف