صوفيا - تركي الماضي:
ألقى رئيس التحرير الأستاذ خالد بن حمد المالك في المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية البلغارية يوم الثلاثاء 10 مايو 2016م محاضرة تحت عنوان «جهود المملكة العربية السعودية في الحرب على الإرهاب»، وذلك تلبية لدعوة رسمية تلقاها من مديرة المعهد الدبلوماسي البلغاري السيدة/ تانيا ميهايلوفا لإلقاء المحاضرة.
شهدت المحاضرة حضوراً رفيع المستوى، حيث حضر أغلب رؤساء البعثات الدبلوماسية العربية: (سفيرة مصر، سفيرة السودان، سفير قطر، سفيرة المغرب، سفير فلسطين، سفير اليمن، سفير العراق، سفير ليبيا، وحضر نيابة عن السفير الكويتي الرجل الثاني بالسفارة)، كما حضرت أيضاً سفيرة دولة جنوب أفريقيا، وبعض مندوبي السفارات الأجنبية.
كما حضر أعضاء من دار هيئة الإفتاء المسلمين، ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى الأستاذ/ وداد أحمد.
كما شاركت جامعة صوفيا في المحاضرة عبر رؤساء بعض الأقسام الأكاديمية، ولعل من أبرزهم البرفسيور يوردان بييف أستاذ التاريخ العربي والإسلامي بكلية الدراسات الشرقية بجامعة صوفيا. كما حضرها طلبة المعهد الدبلوماسي البلغاري، بالإضافة إلى مندوبي الصحف ووسائل الإعلام في صوفيا ، وكان في مقدمة الحضور القائم بالأعمال في سفارة المملكة عبدالعزيز المطر وعدد من الدبلوماسيين في السفارة. وفيما يلي نص المحاضرة:-
لم يعد هناك ما يشغل دول العالم، قادةً وحكومات وشعوباً أكثر مما يشغلها الآن بما يسمى بالإرهاب، الذي أخذ يتمدد كما يتمدد السم في جسد اللديغ، وينتشر كما تنتشر النار في الهشيم، يمارس الإرهابيون القتل والتعذيب بحق الأبرياء، والإجهاز على كل ما هو جميل من المباني ودور العبادة ومؤسسات التعليم، وينال عدوانهم وإرهابهم كل صرح يحكي عن حضارة، أو مكان يتحدث عن آثار لها تاريخ، ولا يستثني هؤلاء القتلة المجرمون في عدوانهم المستشفيات والمدارس والمصانع ودور العبادة ومصادر التنمية في البلاد.
* * *
يفعلون ما يفعلون، قتلاً وتعذيباً وهدماً وجنايات لا أخلاقية ولا إنسانية، دون أن يرف لأي منهم شعور بالرحمة والعاطفة والإنسانية، ودون خوف من أي قوة في الأرض يمكن لها أن تنال منهم، أو تنزل الهزيمة بهم، أو تضعف مقاومتهم، أو تتمكن من اختراق صفوفهم، فقد باعوا حيواتهم وضمائرهم وإنسانيتهم للشيطان، كقتلة وإرهابيين، لا يخافون من الموت، ولا من مصيرهم المجهول.
* * *
وما يقال عن الإرهابيين من كلمات وآراء شديدة القسوة لا تلامس حقيقة واقعهم، ولا تصل إلى سبر ما يعادل مستوى جرائمهم، فهم لا يترددون في استباحة دماء الأبرياء دون ذنب أو سبب، لكونهم معاول هدم لا بناء، ولأنه لا هدف لهم سوى خلق الفوضى في الدول وبين الشعوب، وصولاً إلى خلق جو من عدم الأمن والاستقرار، دون أن يتمكن العالم حتى اليوم من وضع نهاية لهم، ربما لأن دول العالم ليست في موقف واحد موحد في تعاملها مع الإرهاب، وفي توصيفها للآليات المناسبة لمكافحته، هذا إذا لم نقل إن الإرهاب يلقى الدعم والمساندة من بعض الدول، ويتم التعامل معه بليونة أو صمت في دول أخرى.
* * *
كتب كثيرون عن الإرهاب، وأُلِّفت فيه الكتب، وعُقدت له الندوات وورش العمل، وأُلقيت عنه المحاضرات، وتحدث عنه قادة الدول ورؤساء الحكومات والمسؤولون في اجتماعاتهم ومؤتمراتهم، بينما لا يزال يزداد تمدده وانتشاره، وتتنوع ضرباته الموجعة، ويتكاثر المنتمون إلى حضنه، ولا يتورعون عن التهديد بالمزيد من العمليات الإرهابية لكل هدف أو جهة تدخل ضمن اهتماماتهم وتخطيطهم، ما جعل من الإرهاب قضية عالمية تستدعي تغيير سياسات الدول في التعامل معه، وآليات مكافحته، والبحث عن خطط جديدة تقوض كل قوة يمتلكها، وتطوق كل مجموعة منهم بالقوة القادرة على إنزال الهزيمة بهم.
* * *
وإذا كان الإرهاب قد وصل إلى أكثر دول العالم، فقد كانت المملكة العربية السعودية أكثر من تأذى وتضرر منه، وإذا كان لكل دولة جهدٌ في التصدي له ومكافحته، فإن المملكة العربية السعودية لها من الجهود والعمل ما لم تفعله دولة أخرى كما هي المملكة في مواجهتها له بالقوة وتقديم التضحيات، وهو جهد سعودي ملموس ومعلوم ومعروف، وقد كان له أثره الكبير في التقليل من الآثار والخسائر التي كان سيتركها لولا هذه المواقف المشهودة لرجال الأمن في المملكة، بتصديهم له، بجهوزية عالية، وتدريب متطور، وعمل استباقي منظم، حال دون تنفيذ الكثير من العمليات الإجرامية بكل أشكالها وصورها.
* * *
ومع كل هذا الجهد في مكافحة المملكة للإرهاب الذي لا ينكره ولا يتجاهله منصف، فإن هناك مَن يتجنى على الحقائق؛ فيصف المملكة بأنها داعم للإرهاب، وأن مخرجات تعليمها تخدم وتسهم في العمليات الإرهابية. يقود هذا الموقف المسيء للمملكة دون وجه حق إعلام يتجاهل كل الحقائق، ويغض النظر عن كل المعلومات الصحيحة، ولا يشير إلى شيء من العمليات الإرهابية التي تعرضت لها المملكة، وإلى جهودها في مكافحة الإرهاب بأكثر مما تفعله دول أخرى كثيرة، وكأن المقصود من ذلك الإساءة إلى المملكة العربية السعودية بالتركيز على إلقاء هذه التهم الباطلة جزافاً عليها.
* * *
لهذا يأتي عنوان هذه المحاضرة عن جهود المملكة في الحرب على الإرهاب؛ لإيضاح الحقائق، ووضع الأمور في مكانها ونصابها الصحيحين؛ فقد يكون هناك من التبس عليه الأمر متأثراً بما يُنشر أو يُعرض في بعض وسائل الإعلام، أو من خلال ما تكتبه بعض الأقلام، إما عن جهل، أو استجابة وترجمة لموقف غير ودي من المملكة، وهو ما نحاول أن نوضحه من خلال الوقائع والحقائق التي كان الإرهاب فيها حاضراً بقوة في أجواء المملكة، وكانت جهود الدولة في التعامل مع التطرف والإرهاب على مستوى عال من الاحترافية الأمنية والعسكرية في التصدي للعناصر الإرهابية.
* * *
فقد سارعت المملكة السعودية منذ أن أطل الإرهاب برأسه على العالم قبل غيرها بالاستعداد لمواجهته، وأدركت مبكراً أنها هي الهدف الأول له، وأن عناصر من مواطنيها مع آخرين من جنسيات أخرى يشكلون خطورة على أمنها واستقرارها بتطرفهم وتنظيمهم الإرهابي، وأن مقاومته يحتاج إلى كثير من التضحيات، وأن قدرها أن تواجه ولو منفردة هذا الإرهاب المنظم، طالما أن أمنها مهدد، ومستقبلها سيكون غامضاً، إذا ما ترك للتطرف والإرهاب فسحة من الوقت، ومكاناً تأوي إليه خلاياه، وصمت مطبق عن كشف داعميه ومموليه.
* * *
يهمني أن يُفهم هذا الكلام على أنه نفي قاطع مني لأي دور يشير إليه خصوم المملكة في مسألة دعم المملكة للإرهاب، وأنني أتحدث هنا عن المملكة بوصفها الدولة المستهدفة من الإرهابيين بالوقائع والمشاهد، وأنها الدولة الأكثر مواجهة وتمكناً في هزيمة الإرهابيين مقارنة بأي دولة أخرى، وأن ما يقال عن ضلوع المملكة بالحالة الإرهابية التي يمر بها العالم، تنفيه العمليات الإرهابية الكثيرة التي تعرضت لها مدن المملكة، والأعداد الكبيرة التي ذهبت ضحية غدر وجرائم الإرهابيين، سواء من رجال الأمن أو المدنيين السعوديين والمقيمين في المملكة من مختلف الجنسيات.
* * *
أي أننا بهذا ننفي ما لا وجود له إلا في أذهان من لا دليل لديه، ولا نؤكد إلا بما تشهد به الأحداث والتطورات، ولا نقول عن تضرر المملكة إلا من خلال الرصد وبالأرقام والتواريخ والأماكن التي تشهد بأن المملكة كانت ولا تزال هدفاً للإرهابيين، كما نتحدث عن دور المملكة في مقاومتها ومواجهتها وتصديها للإرهابيين، أي أننا - باختصار - نضع الحقائق، ونقدم المعلومة، ونشير بوضوح إلى حقيقة الأعمال الإرهابية التي ضربت مؤخراً دولاً كثيرة، وكانت المملكة الأكثر تضرراً بين كل الدول، مما يؤكد عدم صحة من يتهمها بالإرهاب، وأن لديهم - ربما - في ادعاءاتهم نوايا مبيتة ومكشوفة للإضرار بسمعة المملكة.
* * *
ألم يسأل أحدكم، لماذا إيران مثلاً دون غيرها من دول المنطقة آمنة ومستقرة، ولم يمسها الإرهاب ولو في عملية واحدة، بينما بقية دول المنطقة، وتحديداً السعودية هي من أذاها الإرهاب، واعتبرها الإرهابيون هدفهم الأول، لماذا لا نربط بين هذا الفارق اللافت للنظر في تعامل الإرهاب مع كل من المملكة وإيران، حيث يهادن إيران ولا يمسها بسوء، ولم يقم بأي عملية إرهابية في أراضيها، فيما عشرات العمليات الإرهابية كانت وجهتها إلى مدن المملكة، بعضها تم إفشالها، وبعضها الآخر نجح الإرهابيون في تنفيذها، فأي من الدولتين يحمل سمة البراءة من هذه الجرائم، وأي منهما يمكن إدانته بوصفه داعماً ومسانداً للإرهاب، أليست الوقائع والأحداث والعمليات الإرهابية تحمل بوضوح بصمات الجهة المجرمة التي تقف وراء دعم هذه الفئات الإرهابية المشبوهة.
* * *
يعنيني في المقام الأول، أن نَفْهمَ ونُفَهّم الموقف السعودي الحقيقي من الإرهاب، وهذا يتم من خلال المتابعة والرصد، وبالاعتماد على الأحداث والوقائع، وعلى المعلومة الموثّقة، بعيداً عن التجني وإلقاء التهم دون دليل، فالمملكة داعم قوي في مكافحة الإرهاب، ومساند بكل إمكاناتها في التصدي للتطرف، ويدها ممدودة للتعاون مع دول العالم في مواجهة هؤلاء المجرمين، وهي دائماً حاضرة في المؤتمرات والاتفاقيات بوصفها إحدى أهم الدول في مقاومة الإرهاب، وأكثر الدول تضرراً منه.
* * *
كثيرون يتحدثون عن الإرهاب، ويُظهرون قلقهم من التطرف، وغضبهم أمام مشاهد القتل والدمار بفعل العمليات الإرهابية التي يقوم بها الإرهابيون، لكنهم أشبه بمن يحاكون ويقلدون التماسيح في ذرف الدموع؛ إذ يمارسون ما يناقض كلامهم وسلوكهم وأفعالهم بدعمهم للإرهابيين، وهو ما عجزت المؤسسات الدولية حتى الآن من أن تقف موقفًا شجاعًا ومسؤولاً تجاههم، بينما كان يجب أن يماط اللثام عن أسماء هؤلاء مبكراً لا إخفائها والتستر عليها، سواء كانوا أفرادًا أو منظمات أو تنظيمات أو حتى دولاً، فمن المعيب أن تخفى إلى اليوم الأهداف والأسباب، وأن يكون هذا الموقف الصامت والصادم والمتخاذل هو موقف العالم تجاه داعمي وممولي ومساندي الإرهابيين.
* * *
من بين أكبر العمليات الإرهابية التي لا يمكن للذاكرة أن تنساها، حين تعرض ولي عهد المملكة العربية السعودية ووزير داخليتها إلى عمل انتحاري نجا بأعجوبة منه، فقد فجَّر أحد الإرهابيين نفسه بالقرب من وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، حيث كان الأمير يستأمنه في مقر سكنه، وبينما قتل الإرهابي - وهو سعودي الجنسية - على الفور، فقد تعرض وزير الداخلية لإصابات وسلم مما كان مبيتاً له، وهذا العمل العدواني الجبان، سببه أن ولي العهد وزير الداخلية السعودي ضيَّق الخناق على الإرهابيين، وتعامل وجنوده معهم بعمل احترافي واستباقي حال دون أملهم وتخطيطهم لارتكاب الكثير من المجازر الدموية بحق الأبرياء، والتخريب والعبث الذي يسعون به لتقويض كل ما بني على مدى عقود من السنين.
* * *
ولا بأس من التذكير بأن المملكة العربية السعودية هي أول من اكتوى بنار الإرهاب، وأول من أطل عليها هذا الأخطبوط، وذلك قبل أن تفيق الدول الأخرى على هذا الوضع المأساوي الذي ستكون لاحقاً على موعد معه، وعلى قائمة من سوف تتضرر منه، مثلما تضررت منه ولا تزال المملكة العربية السعودية، فقد كان أول حادث إرهابي حدث في المملكة حين تسللت مجموعة كبيرة رجال ونساء ومن جنسيات مختلفة إلى الحرم المكي بمكة المكرمة وقاموا باحتلاله بقيادة المجرم جهيمان بن سيف العتيبي، وكانت حصيلة المواجهة المسلحة بين الإرهابيين ورجال الأمن مقتل 75 إرهابياً واستشهاد 60 من رجال الأمن، وإصابة 200 شخص منهم، والقبض على 170 إرهابياً، وكان ذلك في عام 1979م، لتتوالى بعد ذلك سلسلة من الحوادث الإرهابية، يقودها نفر من السعوديين وغير السعوديين، وتجد الغطاء والدعم المادي واللوجستي والتدريب من الآخرين في الداخل والخارج، بينما كانت دول العالم لا تأبه بما يحدث، وجاء تحركها متأخراً بعد أن وصل إلى أراضيها نصيبها من الأعمال الإرهابية.
* * *
ففي عام 1991م حدث إطلاق نار على سيارة كانت تقل أمريكيين في مدينة جدة، وتمكنت وزارة الداخلية السعودية من القبض على منفذي الهجوم، وفي العام نفسه أطلق شخص في مدينة الجبيل شرق المملكة النار على جنود من المارينز الأمريكيين، نتج عنه إصابة ثلاثة منهم، لكنها لم تحقق أهدافها بدقة، وفي عام 1995م حدث انفجار بالقرب من مبنى الحرس الوطني بالرياض أسفر عن مقتل ثلاثة أمريكيين وهنديين وجرح ستين آخرين، وفي عام 1996 حدث انفجار آخر بمدينة الخبر في المنطقة الشرقية، عبر تفجير شاحنة محملة بطنين من المتفجرات في مدخل قاعدة الخبر العسكرية الأمريكية، ومقتل 19 أمريكياً وجرح 386 شخصاً، بينهم 17 سعودياً و118 بنغالياً و109 أمريكيين وأربعة مصريين وأردنيين، وهذه ثاني أكبر عملية إرهابية تتعرض لها الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط بعد انفجار بيروت عام 1983م الذي قتل فيه 241 جندياً أمريكياً.
* * *
ويتواصل ضرب الإرهاب للمواطنين والمقيمين بالمملكة، ففي عام 2000م قتل بريطاني في هجوم إرهابي وأصيبت زوجته بجروح بانفجار سيارتهما المفخخة في الرياض، وفي العام نفسه جرح ثلاثة بريطانيين في انفجار سيارة مفخخة بالرياض أيضاً، وفي عام 2001م انفجار آخر في مركز تجاري بالرياض دون أضرار، تلاه في العام نفسه انفجار في مكتبة كبرى بالرياض وإصابة شخصين بجروح أحدهما بريطاني والآخر مصري، كما شهد العام نفسه إصابة طبيب أمريكي بجروح بعد انفجار طرد ملغوم بمدينة الخبر، ثم انفجار في شارع مزدحم بمدينة الخبر في العام نفسه، ومقتل شخصين أحدهما أمريكي، وإصابة ستة آخرين وهم بريطاني وأمريكي وأربعة فلبينيين.
* * *
بينما شهد عام 2002 مجموعة من الأعمال الإرهابية، فقد قتل بريطاني في انفجار سيارة ملغومة بالرياض، بفعل عبوة ناسفة داخل السيارة، وفي عمل إرهابي مماثل قتل ألماني في الرياض إثر انفجار قنبلة كانت مزروعة في سيارته، أما عام 2003 فقد شهد انفجار ثلاث سيارات مفخخة في عمليات إرهابية مروعة استهدفت ثلاثة مجمعات سكنية في حي الحمراء شرق الرياض، قتل على إثرها عشرون شخصاً وأصيب مائة وثلاثة وتسعون آخرون، كما قتل اثنان من رجال الأمن وأصيب جنديان آخران في عملية إرهابية منفصلة، كما توفي أمريكي إثر إطلاق الرصاص عليه، حيث يعمل في قاعدة عسكرية بحرية في مدينة الجبيل، وتتواصل العمليات الإرهابية، فيفجر الإرهابيون مجمعاً سكنياً (مجمع المحيا) الواقع في وادي لبن غرب الرياض الذي تسكنه غالبية من المواطنين السعوديين والعرب والمسلمين، وكانت حصيلة هذا التفجير المروع ثمانية عشر قتيلاً ومائتين وخمسة وعشرين جريحاً.
* * *
أما عام 2004 فقد بدأ بمحاصرة القوات الأمنية خلية من الإرهابيين كان أفرادها يتحصنون في منزل بمحافظة الرس بمنطقة القصيم، وقد أسفر الحصار عن مقتل خمسة عشر إرهابياً والقبض على ستة منهم، وهذه العملية تعد من أكبر المواجهات الأمنية وأشرسها، حيث استمرت لمدة ثلاثة أيام في مواجهات مسلحة شرسة بين الإرهابيين ورجال الأمن، كما قام في العام نفسه مجموعة من الإرهابيين باستهداف مبنى الإدارة العامة للمرور بالرياض بسيارة مفخخة، نتج عنها استشهاد أربعة من رجال الأمن، بالإضافة إلى إصابة 148 شخصاً، كما اقتحم إرهابيون مسلحون أحد المواقع الصناعية في مدينة ينبع الواقعة غرب المملكة العربية السعودية، وقتلوا خمسة أشخاص أستراليا وأمريكيين وبريطانيين، كما قتل الإرهابيون ألمانياً في مدينة الرياض، وذلك قبل أن تقوم خلية إرهابية أخرى باقتحام مجمع الواحة السكني بمدينة الخبر واحتجاز خمسة وأربعين رهينة، وقتل العشرات من السكان، وقد تمكنت قوات الأمن من اقتحام المبنى وتحرير الرهائن بعد 48 ساعة من المواجهة الأمنية مع الإرهابيين.
* * *
واستمر الإرهاب في مواصلة عملياته الإرهابية ففي عام 2004، قتل مصور تلفزيوني أيرلندي تابع لأيرلندا وزميله البريطاني الذي يعمل مراسلاً لهيئة الإذاعة البريطانية باعتداء عليهما بالرياض، كما خطف الإرهابيون أحد الأمريكيين بالرياض ومن ثم قام بقتله، ولاحقاً تمكنت قوات الأمن من قتل القائد العسكري لتنظيم القاعدة عبدالعزيز المقرن ومعه ثلاثة من الإرهابيين الذين تورطوا بعدد من التفجيرات بالرياض، وفي العام نفسه كشفت قوات الأمن عن مخبأ بالرياض يستخدمه الإرهابيون كمركز إعلامي لهم، وتمت مداهمته وقتل اثنين من أخطر الإرهابيين المطلوبين، وإلقاء القبض على اثنين آخرين، وقد أصيب عدد من رجال الأمن أثناء المواجهة، كما كانت هناك محاولة اقتحام فاشلة للقنصلية الأمريكية في جدة، نتج عنها مقتل ثلاثة إرهابيين وإلقاء القبض على اثنين آخرين، وسقوط عدد من القتلى من غير الأمريكيين، لينتهي عام 2004 بعملية إرهابية متزامنة الأولى استهدفت مقر وزارة الداخلية بالرياض، أصيب فيها رجل أمن، والثانية استهدفت مقر مركز تدريب قوات الطوارئ الخاصة في الرياض، عبر انتحاريين اثنين حاولا تفجير سيارتهما بالقرب من المركز.
* * *
مع بداية عام 2005 تمكنت قوات الأمن من قتل أبرز الإرهابيين المدعو صالح العوفي، وذلك حين تمت محاصرة المبنى الذي كان يختبئ فيه بالمدينة المنورة بعد مواجهة استمرت أربع ساعات، قتل معه أثناء العملية اثنان من الإرهابيين، وأصيب رجل أمن واحد، كما قامت قوات الأمن بمحاصرة مبنى آخر بالرياض كان يختبئ فيه أحد الإرهابيين، وقد فجر نفسه منتحراً، وأصيب أحد رجال الأمن، أما عام 2006 فقد شهد سلسلة من العمليات الإرهابية، بدأت بمحاصرة قوات الأمن لاستراحة في الرياض، وقد قتل فيها أثناء المواجهة خمسة من الإرهابيين، وعثر في الاستراحة على متفجرات وأحزمة ناسفة، كما أحبطت السلطات الأمنية محاولة فاشلة استهدفت معامل بقيق لتكرير النفط، حيث حاول الإرهابيون تفجير سيارتين كانوا يستقلونها، قبل أن تتمكن حراسات المعامل من قتلهم، وقد استشهد في العملية رجلا أمن، وللمرة الثانية تتعرض القنصلية بجدة لاعتداء، فقد قام إرهابي بإطلاق النار عليها، قبل أن تتمكن سلطات الأمن من إلقاء القبض عليه بعد إصابته، كما قتل ستة أشخاص ينتمون إلى تنظيم القاعدة في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن بالرياض.
* * *
ولم يكن عام 2007 خالياً من العمليات الإرهابية، ولا أحسن حالاً من السنوات التي سبقته، فقد قتل أربعة فرنسيين في هجوم إرهابي بمدائن صالح الأثرية، وفي العام نفسه استشهد ضابط من قوات الأمن وهو العقيد السعودي ناصر العثمان باستراحته بمدينة الرياض، أما في عام 2012 ، كما استشهد اثنان من أفراد حرس الحدود في كمين نصب لإحدى الدوريات الأمنية بمحافظة شرورة، وفي عام 2014 حدثت عدة عمليات إرهابية، فقد شهد منفذ الوديعة على الحدود السعودية البرية مع اليمن أعمالا إرهابية تبناها تنظيم القاعدة، عندما قام عدد من الإرهابيين بتبادل إطلاق النار مع حرس الحدود، بينما تحصّن اثنان منهم داخل غرفة في مقر المباحث العامة في شرورة ومن ثم قاما بتفجير نفسيهما بأحزمة ناسفة، وقد توفي إثر هذا العمل الإرهابي أربعة رجال من سلاح الحدود، وأصيب تسعة، فيما تم قتل أربعة من الإرهابيين وإلقاء القبض على الخامس، وتحرير تسعة من رجال الأمن الذين كانوا محتجزين، كما نفذ 4 أشخاص على ارتباط بتنظيم «داعش» اعتداء على مواطنين بحسينية المصطفى في قرية الدالوة في محافظة الأحساء، وراح ضحيته ثمانية من المواطنين الأبرياء، وأصيب تسعة آخرون، واستشهد رجلا أمن، كما أطلق عدد من الإرهابيين النار على مقيم دنماركي في جنوب الرياض فأصابوه بجراح.
* * *
وككل الأعوام السابقة فقد شهد عام 2015م مجموعة من العمليات الإرهابية، حيث قام أربعة إرهابيين بمحاولة عبور الحدود السعودية من منفذ السويف العراقي، وحين اعترضتهم دورية سلاح الحدود، حدث تبادل لإطلاق النار بين الطرفين، وقيام إرهابي بتفجير نفسه بحزام ناسف، وعلى إثر هذه المواجهة استشهد قائد سلاح الحدود بمنطقة الحدود الشمالية العميد عودة البلوي وجنديان، وجرح ضابط آخر، بينما قتل اثنان من الإرهابيين وقبض على اثنين آخرين بعد محاولتهما الفرار، كما اغتال عدد من الإرهابيين اثنين من رجال الأمن في شرق الرياض، وقام إرهابي يحمل حزاماً ناسفاً بعملية انتحارية بمسجد الإمام علي في بلدة القديح بالقطيف شرق المملكة أثناء صلاة الجمعة، استشهد فيها 21 مواطناً، ومثل ذلك قام إرهابي بتفجير مسجد الإمام الحسين بحي العنود بالدمام أثناء صلاة الجمعة، حيث فجر إرهابي نفسه بحزام ناسف، وقد استشهد أربعة مواطنين وجرح أربعة آخرون، وفي عملية أخرى قام أحد الإرهابيين بقتل خاله العقيد راشد الصفيان الذي كان يعوله ورباه منذ صغره، وبعد ذلك قام الإرهابي بتفجير نفسه في نقطة أمنية ولم يَصب أحداً من رجال الأمن، كما تعرض مسجد قوات الطوارئ في مدينة أبها جنوب المملكة لتفجير مروع، وهو تفجير انتحاري نتج عنه مقتل 15 شخصا وهم: 5 من رجال أمن قوات الطوارئ، و6 متدربين بالدورات الخاصة بأعمال الحج، و4 عمال من الجنسية البنغلاديشية، في حين أقدم شخصان إرهابيان في محافظة الشملي في حائل شمال المملكة على خطف رجل أمن تربطه بهما قرابة وقتلاه غدراً في منطقة صحراوية، ومن ثم توجها إلى مخفر الشرطة وقتلا مواطنين أمام المخفر، ومن ثم توجها إلى مبنى المرور وقتلا رجل أمن، وقد تم قتل أحد الإرهابيين والقبض على الآخر، واستمراراًً للعمليات الإرهابية فقد أقدم أحد الإرهابيين بالاعتداء على الحسينية الحيدرية بسيهات في محافظة القطيف، وقتل خمسة أشخاص منهم امرأة، وأصيب 9 آخرون، وتم قتل الإرهابي من قِبل رجال الأمن، لينتهي عام 2015م، بقيام أحد الإرهابيين بتفجير نفسه عبر حزام ناسف كان يرتديه في مسجد المشهد بحي دحضة بنجران جنوب المملكة، وقد أسفر هذا العمل عن مقتل شخصين وجرح 19 آخرين.
* * *
وقبل أن أغادر الرياض إلى صوفيا بستة أيام، تمكَّن رجال الأمن من القبض على أحد الإرهابيين وقتل اثنين من الإرهابيين، وهؤلاء كانوا مشاركين في تفجير عدد من المساجد، وكانوا يتلقون التعليمات من رموز داعش في سوريا، ويقومون بصناعة الأحزمة والعبوات الناسفة، وكانوا يستعدون للقيام بعمل إرهابي وشيك، لولا يقظة رجال الأمن الذين رصدوا سيارتين كان بداخل إحداهما مواد متفجرة يقودها إرهابيون بادروا بإطلاق النار على قوات الأمن، عندما أدركوا أنهم تحت المتابعة والمراقبة الدقيقة فتصدى رجال الأمن لهم لتسفر المواجهة عن مقتل اثنين وإلقاء القبض على الثالث، أي أن مسلسل الإرهاب مستمر حتى اللحظة باستهداف المملكة بحكم أنها خط المواجهة الأول في التصدي لهم، وبعد ذلك، وقبل وصولي إلى صوفيا بثلاثة أيام تمكَّن رجال الأمن من قتل إرهابيين وانتحار آخرين بتفجير نفسيهما بواسطة أحزمة ناسفة خلال مداهمة وكر لخلية بمكة المكرمة.
* * *
وللتذكير، فهناك جهد كبير بذلته المملكة العربية السعودية ولا تزال في محاربتها للإرهاب، وكانت سبَّاقة في هذا الجهد، وفاعلة أكثر من غيرها من الدول في إضعاف مجموعاتهم، وقد تنوعت خططها وبرامجها وأساليب تعاملها معهم، مستخدمة القوة أحياناً والتوعية أحياناً أخرى، وذلك بحسب وضع كل حالة، ما مكن مبادراتها ومجهوداتها من إفشال الكثير مما كان يخطط له الإرهابيون، فضلاً عن تراجع عدد عملياتهم الإرهابية ونوعيتها ومستوى التخطيط لها بشكل ملحوظ عمَّا كانت عليه من قبل، وهو ما يشير إلى أن الإرهابيين أصبحوا أمام يقظة رجال الأمن أضعف من أن يواصلوا عملياتهم الانتحارية بمثل ما كانوا عليه من قبل.
* * *
سأستعرض لكم بعض هذه الجهود في مكافحة المملكة للإرهاب والتطرف في بضع نقاط سريعة، وفيها سنرى حجم ما بذلته المملكة من عمل دؤوب ودعم بلا حدود في مواجهتها وتصديها لهذا الوباء الذي تفاوتت صوره ما بين هجمات انتحارية أو اختطاف أو إطلاق نار أو غيرها، ليس لإظهار براءة المملكة مما يتهمها به أعداؤها وخصومها بتلفيق التهم عليها جزافاً، ولكن للتذكير بالدور الذي أسهمت به المملكة في مواجهة الإرهابيين والمجرمين الذين باعوا ضمائرهم للشيطان، وللتذكير أيضاً بما عانته المملكة من أضرار جسيمة، وفقدت على أيدي الإرهابيين عدداً من الشهداء والأبرياء، وكان يمكن أن يكون عددهم أكبر لولا تصدي رجال الأمن لهم وتضحياتهم بشجاعة وقوة.
* * *
ضمن هذه الجهود في الحرب على الإرهاب، تعد المملكة أول دولة وقعت على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي في منظمة المؤتمر الإسلامي عام 2000م، كما أنها من دعت إلى إنشاء المركز العالمي لمكافحة الإرهاب ضمن مبادراتها الكثيرة، ودعمته بمائة مليون دولار، وقد قامت باستضافة المؤتمر العالمي لمكافحة الإرهاب بمدينة الرياض عام 2005 بعنوان (الإسلام ومحاربة الإرهاب) بمشاركة خمسين دولة عربية وإسلامية وأجنبية، إلى جانب عدد من المنظمات الدولية والإقليمية والعربية، وتبنت تشكيل تحالف إسلامي من أربع وثلاثين دولة لمحاربة الإرهاب، فضلاً عن استضافتها أعمال الاجتماع الإقليمي في جدة الذي خصص لبحث موضوع الإرهاب في المنطقة، ومشاركتها كذلك مع التحالف الدولي بطائراتها وطياريها في محاربة تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، وجاء هذا الجهد وغيره ضمن مسؤولية المملكة كشريك مهم ضمن دول العالم في مواجهة القاعدة وداعش والنصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية.
* * *
وضمن جهودها في مكافحة الإرهاب فقد صادقت المملكة على العديد من الاتفاقيات الخاصة بمكافحته، كما صادقت على جملة من الاتفاقات الدولية ذات العلاقة، من بينها الاتفاقية الخاصة بالجرائم وبعض الأفعال الأخرى المرتكبة على متن الطائرات (طوكيو، 1963م)، واتفاقية مكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات (لاهاي 1970م)، واتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني (مونتريال، 1971م)، واتفاقية منع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية بمن فيهم الموظفون الدبلوماسيون والمعاقبة عليها (نيويورك 1973م)، والاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن (نيويورك 1979م)، والبروتوكول المتعلق بقمع أعمال العنف غير المشروعة في المطارات التي تخدم الطيران المدني الدولي، الملحق باتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني (مونتريال، 1988م).
* * *
كما انضمت المملكة إلى اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية (روما، 1988م) والبروتوكول المتعلّق بقمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة المنشآت الثابتة الموجودة على الجرف القاري (روما، 1988م)، واتفاقية تمييز المتفجرات البلاستيكية بغرض كشفها (مونتريال، 1991م)، والاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب (نيويورك 1999م)، والاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل (نيويورك 1997م)، واتفاقية قمع الإرهاب النووي (نيويورك، 2005م)، واتفاقية الحماية المادية للمواد النووية (فيينا، 1980م).
* * *
كما انضمت المملكة إلى عدد من المعاهدات الإقليمية في مجال مكافحة الإرهاب، منها معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي (1999م)، ومدوّنة قواعد السلوك لمكافحة الإرهاب الدولي المعتمد من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمر القمة الإسلامي السابع عام (1995)، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب خلال اجتماعات مجلس وزراء الداخلية والعدل العرب عام 1998م، إضافة إلى الإستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة عام (1996م) عن الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، واتفاقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمكافحة الإرهاب (2004م)، والإستراتيجية الأمنية الموحدة لمكافحة ظاهرة التطرف المصحوب بالإرهاب لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (2003م). كما وقعت المملكة على اتفاقيات أمنية ثنائية مع عدد من الدول العربية والإسلامية والصديقة، تتضمن بين بنودها مكافحة الإرهاب والتعاون في التصدي له ومحاربته.
* * *
وهناك ضمن جهود المملكة في محاربة الإرهاب الذي ترفضه كل الأديان والأجناس، ولا ينتمي لأي وطن، قيامها بإنشاء مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة؛ وذلك بهدف محاربة الفكر بالفكر، وهو مركز متخصص يعنى بالموقوفين الذين قاموا بأعمال إرهابية أو افتوا بها أو دعموها وتم القبض عليهم، حيث تتم مناصحتهم، وإفهامهم بخطأ ما قاموا به من جرائم، وأن من غرر بهم، لا يسعى إلى مصلحتهم، ولا ينشد بذلك الخير لبلدهم، حيث يقوم خبراء وعلماء ودعاة ومفكرون في مختلف التخصصات، وبينهم عدد من المختصين في العلم الشرعي وعلم النفس وعلم الاجتماع وخبراء في مجال النصح والمناصحة لأصحاب هذا الفكر الضال، بإعطاء دروس وتنظيم ورش عمل لهم، بأمل أن يتراجعوا عن مواقفهم بعد تصحيح المفاهيم الخاطئة وتوجيههم إلى ما هو صحيح، فيعودوا مواطنين صالحين بعد أن يقضوا في السجون المحكوميات التي صدرت بحقهم، وتتأكد الأجهزة الأمنية بأنهم قد استفادوا من المناصحة.
* * *
وهذا لا يعني أن كل من ارتكب جريمة بحق الآخرين، فقتل أبرياء أو عرض للعاهة آخرين مدى الحياة ممن استهدفهم في إرهابه سوف يكتفى بسجنه ومناصحته، بدليل ما تم تنفيذه مؤخراً من قتل بحق سبعة وأربعين إرهابياً هذا العام، ممن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء، وعاثوا في الأرض فساداً، فقوضوا المباني، واعتدوا على مؤسسات صحية أو تعليمية أو اقتصادية أو دور عبادة، عن سابق إصرار وترصد، وإنما المقصود ممن تتم مناصحتهم بأمل الإفراج عنهم، وغالبيتهم من الشباب المراهقين المغرر بهم، أولئك الذين لم يرتكبوا أعمالاً إرهابية كبيرة، وأعلنوا ندمهم على ما فعلوا، واستعدادهم للقبول بالنصيحة والتوبة، على أن يكونوا تحت عين الرقيب إذا ما تم الإفراج عن أي منهم، ومثلهم بعض المنظرين الذين تعتمد على فتاواهم العناصر الإرهابية في قيامهم بأعمالهم الإرهابية، ممن أعلنوا تراجعهم عن فتاواهم وندمهم عليها بعد أن قضوا في السجون ما يتناسب وجرائمهم، وضمن هذه الجهود تم إنشاء محكمة لقضايا الإرهاب، ودائرة مختصة بالتحقيق والادعاء العام، مع توفير جميع الضمانات لمحاكمات عادلة لكل من يتهم بالإرهاب، وإصدار نظام لمكافحة الإرهاب، واعتماد عدد من الآليات لمنع تمويل الإرهاب، بما في ذلك إنشاء قناة اتصال مفتوحة بين وزارة الداخلية ومؤسسة النقد لأغراض مكافحة عمليات تمويل الإرهاب.
* * *
ومع ذلك، فإن رجال الأمن في المملكة حققوا إنجازات كبيرة في التصدي لأعمال العنف والإرهاب، ونجحوا في توجيه الضربات الاستباقية، وإفشال أكثر من 95 بالمائة من العمليات الإرهابية، كما نجحوا في اختراق الدائرة الثانية لأصحاب الفكر الضال، وأعني بذلك المتعاطفين والممولين للإرهاب وكذلك من يفتي لهم بجواز ارتكاب الأعمال الإرهابية، وقد تم إلقاء القبض على الكثير منهم، وأحيلوا إلى المحاكم الشرعية لينالوا ما يستحقون من أحكام عادلة، حرصاً من الدولة على تجفيف منابع الدعم المالي والعسكري واللوجستي لهؤلاء الإرهابيين، ومنعهم من الإضرار بالناس والممتلكات.
* * *
على أن ذلك الجهد في محاربة الإرهاب يتزامن دائماً مع أسلوب ما يسمى المعالجة الوقائية، حيث أطلقت المملكة مبادرات كثيرة في هذا الخصوص، هدفها القضاء على هذا الفكر المنحرف، وكل الأعمال الإرهابية، فنظمت -على سبيل المثال- حملة باسم التضامن الوطني لمكافحة الإرهاب في مختلف مناطق المملكة دامت أسبوعاً كاملاً، شاركت فيها جميع القطاعات التعليمية والأمنية وغيرها، كما خصصت يوماً دراسياً كاملاً خلال العام الدراسي لإقامة معرض في كل مدرسة للبنين والبنات عن الإرهاب، إلى جانب الكراسي العلمية بالجامعات التي تعنى بالأبحاث والدراسات عن الإرهاب؛ وذلك لزيادة الوعي العام في دعم التعاون بين جميع شرائح المجتمع السعودي، ومكافحة الغلو والتطرف، كما قامت الجهات المسؤولة بالمملكة بإصدار عدد من اللوائح التي تنظم استخدام شبكة الإنترنت والاشتراك فيها، لمواجهة الاعتداءات الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني، بالإضافة إلى تنظيم دورات تدريبية عدة في مجال مكافحة جرائم الحاسب الآلي لتطوير مهارات العاملين في هذا المجال، وكذلك إنشاء هيئة تتولى الإشراف على جميع الأعمال الإغاثية والخيرية، وتنظيم جمع التبرعات المادية للأعمال الخيرية، وذلك لقطع الطريق على استخدام الهيئات الإنسانية والجمعيات الخيرية وعددها حوالي خمسمائة جمعية لأي أعمال من المحتمل أن تستغل لغير الأعمال المشروعة.
* * *
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد الشهداء من رجال الأمن الذين سقطوا على أيدي الإرهابيين على مدى 12 عاماً بلغ 174 شهيداً، وأن عدد المصابين 570 مصاباً، وأن عدد مواجهات رجال الأمن مع الإرهابيين تجاوزت 500 عملية، أُحبطت منها 270 عملية إرهابية كانت على وشك التنفيذ، وأن أجهزة الأمن ألقت القبض على أكثر من اثني عشر ألف متورطا أو متعاطفا مع الجماعات الإرهابية، وتمت مناصحة وإطلاق سراح أكثر من خمسة آلاف شخص، تراجع منهم 15 % وغالبية الذين تراجعوا تم القبض عليهم لاحقاً لتورطهم في عمليات إرهابية، والبعض الآخر قتل في عمليات إرهابية، وبلغ عدد الموقوفين حتى نهاية عام 2015م على ذمم القضايا الإرهابية 5129 موقوفاً، وهم من 42 جنسية غالبيتهم من السعوديين واليمنيين والسوريين، ومنهم ثلاثة أمريكيين وبريطاني واحد.
* * *
ماذا تفسر لنا هذه الإحصاءات، وإلى أين تقودنا هذه المعلومات، أليس هذا دليل على أن المملكة مستهدفة من الإرهابيين أكثر من أي دولة أخرى، وكيف لجاهل فضلاً عن عاقل أن يفكر بأن المملكة جزء من ظاهرة الإرهاب، وليست الدولة الأبرز في مقاومته والتصدي له، بحكم أنها المتضرر الأكبر، وماذا نقول عن دولة في المنطقة - أعني إيران تحديداً - التي لم يمسها الإرهاب ولو في عملية واحدة، وليس لها أي جهد في محاربته، ولم تقم بأي مبادرة للتعاون مع دول العالم للتصدي له، أليس هذا ما يثير الشكوك عن دور لها في تنامي قوته وتأثيره على فقدان الأمن في المنطقة وبين دولها.