إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»
«سنخفف الإجراءات البيروقراطية الطويلة، وسنوسع دائرة الخدمات الإلكترونية، وسنعتمد الشفافية والمحاسبة الفورية، حيث أنشئ مركز يقيس أداء الجهات الحكومية ويساعد في مساءلتها عن أي تقصير.. سنكون شفافين وصريحين عند الإخفاق والنجاح، وسنتقبل كل الآراء ونستمع إلى جميع الأفكار».. هذه توجيهات سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- لبناء رؤية 2030.
محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية
لقد وردت مكافحة الفساد في رؤية 2030، على النحو التالي:
«ننتهج الشفافية».. حيث أقرت الرؤية «لن نتهاون أو نتسامح مطلقًا مع الفساد بكل مستوياته، سواء أكان ماليًا أم إداريًا.. وسنستفيد من أفضل الممارسات العالمية لتحقيق أعلى مستويات الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات.. وسيشمل ذلك اتخاذ كل ما هو ممكن لتفعيل معايير عالية من المحاسبة والمساءلة، عبر إعلان أهدافنا وخططنا ومؤشرات قياس أدائنا ومدى نجاحنا في تنفيذها للجميع.. وسنعمل كذلك على توسيع نطاق الخدمات الإلكترونية وتحسين معايير الحوكمة، بما سيحد من التأخير في تنفيذ الأعمال، وتحقيق هدفنا في أن نقود العالم في مجال التعاملات الإلكترونية».
الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.. التوعية والتثقيف
بدأت المملكة تجربتها لمكافحة الفساد عام 2007م، عندما أقرت الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في 1428هـ، ثم أنشأت في سياقها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عام 1432هـ.
الآن، وفي سياق المستجدات على الساحة الاقتصادية والاجتماعية المحلية، وبعد مرور تسع سنوات على إنشاء وتأسيس هيئة مكافحة الفساد، ما هو نتاجها وما هي ثمارها؟
ما يمكن قوله: إن الهيئة الوطنية بكافة آلياتها وبرامجها وسياساتها جاءت هيئة توعوية أو تثقيفية تسعى وتستهدف جوهريًا نشر ثقافة الشفافية والنزاهة من خلال آليات بعينها:
1. حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره.
2. تحصين المجتمع السعودي ضد الفساد بالقيم الدينية والأخلاقية والتربوية.
3. توجيه المواطن والمقيم نحو التحلي بالسلوك واحترام النصوص الشرعية والنظامية.
4. توفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية، ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية منها.
5. الإسهام في الجهود المبذولة لتعزيز وتطوير وتوثيق التعاون الإقليمي والعربي والدولي في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد.
6. تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع.
ويمكن القول، بأن الهيئة نجحت في أداء هذه الأدوار التثقيفية والحيوية التي يمكن إجمالها في حماية النزاهة، الأمر الذي جعلها أدعى لهيئة ردع بالتثقيف أكثر منها هيئة ضبط وتحقيق، فخلال الفترة منذ تأسيسها وحتى نهاية عام 1435هـ تلقت الهيئة نحو 6905 بلاغًا.. أي بمعدل 2301 بلاغ سنوي تقريبًا.. إلا أن 66 في المائة من هذه البلاغات تتعلق بتدني مستوى الخدمات والمشروعات أو قصور في الأنظمة.. وفقط ثلث هذه البلاغات ترتبط بقضايا فساد مالي أو إداري.
الخسائر الناجمة عن الفساد تتزايد عالميًا
صدر تقرير عن صندوق النقد الدولي يشير إلى أن الفساد بالقطاع العام يكبد الاقتصاد العالمي خسائر بنحو 1.5 - 2.0 تريليون دولار سنويًا في صورة رشاوى، ويتسبب في تكاليف أكبر تتمثل في إضعاف النمو الاقتصادي وفقدان إيرادات ضريبية واستمرار الفقر.. ويشير التقرير، إلى أن التكلفة الاقتصادية المباشرة للفساد معروفة جيدًا، في المقابل فإن التكلفة غير المباشرة ربما تكون أكبر وأكثر استنزافًا.
طفرات الاقتصاد الوطني.. واحتمالات التزايد الآني في الفساد
مر الاقتصادي السعودي بطفرات قوية.. ربما تكون الطفرة الأخيرة (2005-2012م) التي نقلته من شرائح الناتج ذي الـ 1000 مليار ريال إلى الناتج فوق الـ 2700 مليار ريال هي الأعلى في تاريخه الاقتصادي.. ومن المعروف، حسب النظرية الاقتصادية أن تزايد الدخل واتساع حجم الاقتصاد يتمخض عنه تزايد في احتمالات الفساد.
رؤية 2030.. لهجة مختلفة لمحاربة الفساد
لهجة هيئة مكافحة الفساد كانت تسير في طريق الحماية ضد الفساد بشتى الطرق، أو الدفاع عن الفساد قبل وقوعه بشكل كبير.. إلا أن رؤيتها للفساد بعد وقوعه لم تكن واضحة تمامًا، ولم تكن تفصح عن أحجام هذا الفساد.. أما الآن والفساد أصبح أمرًا واقعًا في رحى الاقتصاد العالمي وأصبحت أرقامه وتقديراته معروفة بمؤشرات عالمية.. فإن رؤية 2030 كانت أكثر وضوحًا في مكافحتها للفساد وبكلمات وآليات أكثر وضوحًا وقوة.. ابتدأتها «لن نتهاون أو نتسامح مطلقًا مع الفساد بكل مستوياته، سواء أكان ماليًا أم إداريًا»، بشكل يعبر بوضوح عن رؤية تصعيدية ضد الفاسدين ويعبر عن آليات مكافحة حقيقية، تجلت فيما يلي:
1. استهداف شكلي الفساد (الفساد المالي والإداري).
2. استهداف أعلى مستويات الشفافية والحوكمة الرشيدة.
3. تفعيل معايير عالية من المحاسبة والمساءلة.
4. توسيع نطاق الخدمات الإلكترونية.
5. تحسين معايير الحوكمة.
والمتتبع لرؤية 2030 يلحظ عدم التركيز على حماية النزاهة، ولكن التركيز على المحاسبة والمساءلة والحوكمة.. وهو ما يعني الانتقال إلى الإصدار الثاني لمكافحة الفساد وهو مرحلة المساءلة.. وينبغي أن نعلم أن هذه المرحلة الثانية هي مرحلة ضرورية ولا غنى عنها لإتمام رؤية 2030 التي تتعلق بتحولات وطنية متعددة ومتنوعة، بعضها يمثل غاية في الأهمية للاقتصاد الوطني واستقراره مستقبلاً.. وحدوث أي شكل من أشكال الفساد فيها قد يترتب عليه عواقب وخيمة.