{ قلب الأم}....
فقدتْ (مها) بنت عمتي ابنها أنس يرحمه الله (وهو واسطة العقد) بحادثٍ ولا حول ولا قوة إلا بالله..
فزيادة على تجرّع ما تلاقي أنه: آتٍ جرأ حادث مركبة أقصد (فُجاءة)، فما كان عنك ثاويا، مما كان للنباء وقعا مضاعفا..
لأبثّ (لها) مواسيا:
أحزان الأم سهم.. غائر لا شك فهي قلّ ما تندمل!
إذ سرعان ما يعاود بعثها مع أي طارئ يذكر أو ذكرى تنبش ثم أنى تتلاشى بوارق تلكم عن سما القلب إلا بعد اللتي واللتيا يصدّق على هذا نظم أبي القاسم الشابي وهو لا يواسي فقط بل يعذّر لذلك القلب، إذ يقول:
كُلٌّ نسوك, ولم يعودوا يذكرونك في الحياة
والدهر يدفن في ظلام الموت حتى الذكريات
إلا فؤاداً, ظلّ يخفق في الوجود إلى لقاك
بل. إنه:
يودّ لو بَذَلَ الحياة إلى المنيّةِ, وافتداك
فهو وحده بعد أن ينفض سامر العزاء وجموع الملتفين حولك
يبقى (المتعب) من تلكم الباقيات صلمدا لا تكاد تبرح إلا حين تبرّح لها عن مواجع تبقى تمطر عليها من سحائب العين، وكأنها تمدها بالحياة في القلب فتظل شاخصة كحال من رامت نسيانا خبالا..
فكانت الذكرى أهون وقع وأقل صدع ولذع للأعماق من أن تطالها.. كـ (متعبة) تزيدها غمة وتثيبها مواجعا.
فالأم غير، لأن الفقيد بضع منها كيف وقد كانت أحشاؤها له وعاء وغذاؤها له مددا وأنفسها تلهث أثره.. كنايةً أن ألمك جرح قبل أن تقطر منك الدماء
وحرقتك تلوع قبل أن تسيل كعابك منها
لأنك أنت منها دمها قبل مائها ومرعاك هناك وأنت جنين
كما وغذاؤك جزء من جسدها إلى أن تفطم (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) يا الله!
فقد كانت حولين كافية، فأتى توكيدها ب(كاملين) تثبيتا رافدا للسياق لا في إشارة ولا بإماءة ليبلّغ المرام مأمنه أقصد دلالته
فلا يحتاج لاجتهاد ولا إدلاء دلو لاستخراج نفيسه
فـ لله قلبك يابنة العمة وأنت تودعين ابنك وقد كان هنا لا بمعزل عن نواظرك (ونحن أقرب إليه ولكن لا تشعرون) فما أن اتاك الخبر إلا أمسى كالحجر.. وهو يسقط من علّ على قلبك الرطب الرهيف!
فما كان من حاجة أن يسعى إليك إذ نباء كهذا كاف ليهوي ببنيانه
..لك الله كم عطفت قلوبا أن ترأف بك وأنت تفارقين بضعا من مهجة قلبك هل طارف ما رمته لما جاشك أو غشاك كاف قبل مأساتك هذه.. أم أزيد؟
ربما بعض قطرات وإن كنّ للقلب مفطرات.. لأنها ترسل معاني تطوح به أنه لا يدرك كنهها إلا من هو بالقرب من المفقود
تقبّل( وداع) باك على فقدك
وآف لعهدك المحمود
فكيف به إن كان ما هو أكبر..؟
وذاك أنه.. يا أيها الملاء (قلب الأم)
- عبدالمحسن بن علي المطلق