من يصدق أن آخر إحصائية دقيقة في العام الماضي ذكرت أن عدد المسافرين للسياحة في فصل الصيف خارج المملكة وصل إلى أكثر من ستة ملايين.. وإذا كان هذا العدد يمثل ظاهرة ملفتة للنظر قياساً بعدد السكان فإن الأدهى والأمرّ وهو بيت القصيد فإن هؤلاء المسافرين ومن واقع الإحصائية نفسها أراقوا خلال هذه الفترة أكثر من ستين ألف مليون ريال بطرق ووسائل شتى وأهداف الله أعلم بنهايتها ونتائجها ولكن بالتأكيد أنها بعثت الخصب والنماء في اقتصاد الآخرين ودفعت بسياحتنا الداخلية إلى الخواء والإفلاس.
وفي الوقت الذي تلفنا فيه الدهشة والاستغراب والحيرة ونصاب بالألم والحسرة لهذا الإسراف المريع خارج الحدود، نجد بين ظهرانينا مع الأسف من يحاول مستميتاً التضييق على البقية الباقية من الذين اعتادوا على السياحة والاصطياف والترويح عن أنفسهم في ربوع بلادنا الجميلة الآمنة وذلك عن طريق الانتقاص والاستخفاف بما يبذله المسؤولون عن السياحة في مناطق الاصطياف المعتادة وتوفر سبل الراحة والرفاهية فيها.. وبدلاً من أن نبارك جهودهم ونستحث خطاهم إلى الأمام ونلتمس المزيد ونكون سنداً لهم نجد حفنة من المتشنجين الموغلين في الانتقاد والانغلاق والاستعداء وإشهار سوء النية بأعمال المسؤولين الخاصة والمخلصة والتي ينشدون من ورائها الترفيه عن المصطافين والحد من السياحة الخارجية وما تستنزفه من أموال طائلة الوطن أولى بها وأحق وبالتالي حصانة لشبابنا من شرور بعض البلدان المفتوحة على وسائل الشر ومصائد الفتنة وغرس العادات الضارة وإدمان المحرمات المحاطة بأسباب الإغراء المكشوفة بكل حرية بلا حسيب أو رقيب.
سبحان الله هكذا تنعكس المفاهيم.. إيجاد وسائل الترفيه المحاطة بالعناية والمتابعة وبأوقات محددة نستكثر تواجدها في بلادنا وننتقد المخلصين القائمين عليها وربما نشكك بأهدافهم أما السياحة والسياحة في طوفان الخراب المدمر خارج بلادنا فنحن نغمض النظر عنه ونتجاهل تبعاته بل ولا نتذكره إطلاقاً.
ما هذه الحوقلة الحمقاء والتمتمة الرعناء التي نسمعها هنا وهناك بين الهمس والجهر من بعض قاصري النظر والإدراك.. إنهم في إمعانهم وغلوهم وحردهم ينفخون بدون إدراك منهم في استنفار البقية الباقية للسفر للخارج أنهم بعنادهم أو جهلهم لا يفرقون بين الضار والأضر وإن بعض الشر أهون من بعض وإن ما يترتب عليه ضرر كبير وخطر جسيم يمكن مداراة ما هو أهون درءا لما هو أكبر وأدهى هذا إذا قدر لنا القياس أصلاً بوجود ضرر من تبعات السياحة في بلادنا.
إنه في الوقت الذي تستشيط فيه شركات السياحة والسفر وتستنفر طاقتها في الصيف وعلى مدار العام لاجتذاب الناس للسفر للخارج بإغراءات شتى نجد صوت السياحة في الداخل ضعيفاً والمساهمة في إنجاحها قليلاً ليس بسبب تقصير المسؤولين أو قلة حرصهم في تشجيعهم السياحة الداخلية أو ضعف الإمكانات بل هو سبب هذه الحفنة الفارغة التي ترصد هذه الجهود فتحط من قدرها وتلبسها من ثوب الشكوك والأوهام أصنافاً وألواناً وهي في سلوكها المريب تتفق شاءت أم أبت رضيت أم كابرت مع شركات ووكالات السفر والسياحة الخارجية لأنها افتقدت الوسطية في أحكامها وبالغت في التشاؤم وتفرغت للتنفير والتشهير في السياحة الداخلية والقائمين عليها الأمر الذي جعل موسم الاصطياف والسياحة والسفر للخارج يزدهر وينمو عاماً بعد عام ليستنزف رصيد البقية الباقية ممن لم يفكروا أصلاً بالسفر للخارج والبركة والفضل يعود لهذه الشرذمة المرجفة التي لا يعجبها سوى التنفيس عن مكبوتاتها السوداء وحقدها الدفين عن طريق إيذاء مشاعر الناس والتطفل على خصوصياتهم والتضييق عليهم ولا يهمها ما يترتب على سوء أفعالها وتصرفاتها من أخطار أشد وأضرار أعم تعود تبعاتها ونتائجها إليهم بسبب سوء تصرفاتهم وتخرصاتهم المريضة. وختاماً لا يسعني إلا أن أستحدث خطى المسؤولين عن السياحة والقائمين عليها في بلادنا الحبيبة وذلك لما عرف عنهم من إخلاص وتضحية وحب للوطن أناشدهم بالمضي قدماً في توجهاتهم الطموحة وخططهم الشجاعة وجهودهم المخلصة في توفير سبل الراحة والرفاهية لأبناء الوطن في جميع مناطق الاصطياف المألوفة، حيث الأمن والأمان والرفاهية في كنف حكومة رشيدة ساهرة وماضية في تحقيق كل ما يسعد المواطن ويبعث البهجة في نفسه ويحد من سفره خارج الوطن وحتى تكون أموال الوطن منه وإليه في وقت نحن أحوج ما نكون لكل مبلغ من المال ليساهم في بناء اقتصادنا ويساعد في سد الفجوة التي تتسع كل عام بسبب الإسراف الرهيب في الإغراق على السياحة في الخارج يضاف ذلك إلى أكثر من مئتين ألف مليون ريال سنوياً تحويلاً للعمالة الأجنبية.
وأخيراً وليس آخراً نقول صناعة السياحة في بلادنا ورجالها المبرزين سيروا على الدرب تحرسكم عناية الله ويبارك أبناء الوطن المخلصون خطواتكم الموفقة الحكيمة النابعة من حب الوطن والإخلاص له.
فالآمال بكم كبيرة وتسير جنباً إلى جنب مع هممكم الطموحة وعطاءاتكم المتواصلة وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم والله من وراء القصد.