الفراغ المحتمل هو الكتاب الهوائي الذي يتلاشى من الملامح المحسوسة بل في كل فضاء ويوزعها في شظيات وذرات متطايرة ليقرأه أويرسمه أي منا بطريقة مغايرة فيتعدد في الهويات والأسماء والأركان والأزمنة والحكايات والأسئلة والذكريات .
يحشرنا الفراغ الذي في المكان الشاسع ولانلمحه لأننا شظايا ، يتحكم باتجاهاتنا ونوازعنا ذلك الفراغ الملعون بنا مزدحم فينا لايتحرر منا إلا إلينا يتنقل معنا ويحيا بنا.
ولإميل سيوران والذات والفراغ فلسفة تقول: (بعد كلام كثير لمدة ساعات هأنذا يغزوني الفراغ، الفراغ والخزي. أليس من البذاءة أن يكشف المرء أسراره ويعري كيانه، أن يحكي ويستمع إلى من يحكي، في حين أن أكثر لحظات حياته امتلاء قد عرفها خلال الصمت، خلال الإدراك الحسي للصمت؟).
أليس الفراغ قنديلا معتما تتجول حوله النجوم لنلتقط كواكبها وتنشر فراشاتها بكثير من الخيال الذي يتقمص دور الحديقة المتوهجة بكائنات الكتابة؟.
لكأن الفراغ عدم .
وفي القصائد تتفاوض الخرائط مع الفراغ لمصلحة إبداعية إنسانية ربما تكنس شذرات غبار داخلي عالق يتكدس ويحجب رؤية الداخل والخارج في آن يتآمر على الإلهام في هيئة عاطفية متخفية.
تقول الكاتبة هبة رؤوف عزت: (الفراغ لا يدرك إلا بنقيضه، أنت لا تحيط بالفراغ إلا من خلال الوعي بالكتلة، ولو كان فراغا في فراغ فلن ترى شيئا، ولا تعرف أن قلبك كان فارغا إلا لو ملأه شاغل، فتفهم ما كان ناقصا فيك، لذا قالوا لا يعرف الشوق إلا من يكابده، فراغ القلب من الحب لم يكن محسوسا إلا عندما امتلأ... بالوجد).
نجد في مساحات اللغة أيضا كلاما في هذا المقام يفيد في فهم الفراغ، يقولون: هذا كلام فارغ. أي رغم لغطه خالٍ من المضمون، أو مِعْوَجّ منحرف عن المعنى القويم، وقد يكون لغوا لا فائدة منه، وهذا كثير في السياسة والإعلام، كلام فارغ يردده رجال يملأهم الفراغ. يحتلون مساحات السلطة لتكون مهمتهم تفريغ الأمة من طاقاتها وتفريغ الزمن من حضورنا وحضارتنا.
في المكان الصاخب جدا هناك عالم من الكائنات المتعايشة دونما انسجام فعلي ؛ هناك مايجعل من الفراغ حدثا نموذجيا للموت الصوري تماما كما يتخيل من دور للفزاعات التي لاأهمية لها تذكر في حديقة تسكنها حياة عائلية كبيرة لاتترك مجالا لطير أو سواه ان يقتنص من بستانها الآهل بالأطفال والكبار والشيوخ قيد ثمرة.
والحوار عن الفراغ وفيه يقود إلى التصور الأشد حساسية وهو الفراغ الوجداني الذي يكاد يصنع له مقاييس ترتبط بتشعبات لامتناهية تتناسل لتسطو على الذات الإنسانية وتسيطر على الحس الفردي الذي يتشابك وأنسنة الفراغ حيث تتشكل النماذج الوهمية التي تحتشد لتقلص شأن الأحاسيس المتراقصة في سكون الفضاء الذاتي الشخصي، ولاتتمكن من ذلك . لايمكن لوطن فردي أن يساكن أغنية مثلا وربما سكن إلى فراغ يتجول فيه دونما نغمة أو ترنيمة نبرة لاتتوقف عند لغة أو ضوء أو خاطرة حسية تكتم هندستها المترنحة في فراغ لايعي أنه من فراغ لافضاء.
- هدى الدغفق