ما يحتاجه الإنسان هو الفرح وإذا أراد أكثر منه ضاع في متاهة البحث عن شيء لا وجود له،
- عبدالرحمن منيف
حتى كتابة هذه السطور وأنا ومعظم الناس لا نعرف كيف سيكون آلية وعمل هيئة « الترفيه» هذه المعلن عنها ضمن حزمة القرارات الملكية ومالذي تستطيع فعله ؟ وهل الترفيه مشروع يحتاج إلى إقرارات وإدارات وهياكل تنظيمية أم أنه حق مشروع لكل المخاليق .
ثم ما هو الترفيه؟
البعض اختصر القضية إذ يرى في إعادة الحفلات الغنائية التي كانت تقام في المصائف والمدن السياحية وتنشيط المسارح المهجورة وتفعيل الأنشطة الثقافية التي كانت تنفذ على مسارح الجامعات وبيوت الشباب والسماح بإنشاء صالات سينمائية واستغلال المتوفر منها أولى أبجديات الترفيه.
أنا أعترف أني متطرف جدا ودائما في تفسيراتي ولهذا فلن أقبل تفسيرا لمفردة « الترفيه» إلا بمعنى واحد : إدخال «الفرح» ولكل من أراد من أفراد المجتمع واذا لم تنجز هذه « الهيئة» المنتظرة هذا الفرح الموعود أو تنحاز إليه فلن تكون سوى هيكل إداري يضاف إلى الكثير من الإدارات البيروقراطية التي نرى مبانيها ونقرأ لوحاتها دون أن نلحظ تأثيرها أو انعكاسها على حياتنا.
والسؤال هو كيف بالإمكان حلحلة وتجاوز ذهنيات التحريم والممانعة والتي أفضت الى أن يتلبس كامل المجتمع حالة من الطهر المصطنع والتجهم ومجانفة الفرح وأصبح البديل حالة الفرار الكبيرة التي نشهدها عند كل إجازة الى كل دول العالم ولكل من يستطيع .
الفرار من أجل الترفيه لكل العائلة وليس من أجل أشياء آخرى كما يوحي البعض .
ولا أعرف مثلا ما الذي ستفعله هيئة الترفيه والبعض ما زال يرى في شباب صغار السن يدندنون على آلة عود وسط حديقة عامة أو على شاطئ البحر منكرا يستدعي تدخل جهازي الهيئة والشرطة والمحتسبين ومصادرة أو تحطيم الآلة .
هذا الجفاف الترفيهي وذهنية القمع والمصادرة قادت المجتمع إلى حالة من الخواء النفسي والروحي وكان البديل اعتناق ثقافة الموت أو والوقوع في ثقافة الضياع . وسأدعي ودون تواضع أني كتبت كثيرا وغيري بالطبع كتب أن أولى أبجديات محاربة التطرف والتجهم والزهد في الحياة هو زراعة الفرح وحب الحياة داخل الناس.
وأرى أنه مقدما على كل أبجديات الوعظ والمناصحة،الوعظ و المناصحة تأتي كعلاج في حين يأتي الفرح كوقاية ودائما الوقاية خير من العلاج.
وأتذكر أني كتبت هنا تحديدا وقبل أربعة أشهر وبعنوان « رقص» كتبت ( الخيار اليوم بين الموت أو الحياة بين الفرح أو الكآبة بين الرقص والغناء وثقافة الفرح أوبين ثقافة الموت والتفجير وما من منطقة وسط بين النار والجنة وكل ما نفعل الآن هو جعل رحلة التداوي مكلفة وطويلة وموجعة وعاجلا أو آجلا سنعود لكل ما يبشر بالحياة إذا ما اخترنا الحياة أو المضي قدما في منح القرابين مقابل اللامعقول ولا نريد أن نكون ملائكة ولن نكون ..وكل ما سوف ينجو بنا هو أن نكون كغيرنا إنسانيين . )
فهل بدأنا يقينا رحلة التداوي بصدق ؟
الترفيه في قاموسي البسيط جدا هو منح الناس ثقافة الفرح ومساحات الفرح وأبجديات الفرح ولا أظن القضية عسيرة ومكلفة ولا حاجة بنا إلى اختراع العجلة مجددا ولكن بتلمس حاجات الكائن البشري البسيطة حاجته للتوازن والمحبة والبهجة.
والفرح اليوم ليس خيارا وسط ضغوطات الحياة إنه شرط بشري لحالة التوازن الإنساني.
والصيف الآن على الأبواب وسيكون أولى الاختبارات لهذه الهيئة في مصائفنا فهل سنرى فعاليات ترفيهية مفرحة ومختلفة ام سيظل كل الترفيه هو ملاهي الأطفال وشاي الحطب الذي يكاد يسد الشوارع.
- عمرو العامري