مازال الوعي المجتمعي لدينا يحتاج إلى تغذية بروافد الثقافة، فالفكر المجتمعي السائد الذي يشكل السواد الأعظم من فئات المجتمع مازال يقتات من أفكار أكل الزمان عليها وشرب، ولم تعد تتناسب مع طبيعة المرحلة الحالية التي تحتاج إلى زيادة في الحجم الإدراكي وتوسعة شاملة في العقل المنغلق لتقريب وجهات النظر بين أقطاب المجتمع المختلفة وتحقيق مفهوم شامل للمواطنة والتقبل والاختلاف حتى تستمر تلك الرؤية السعودية في السير نحو تحقيق الأهداف المرجوة دون مواجهة ما يعرقلها من أفكار قديمة لا تمت للثوابت الدينية بصلة.
فتعزيز الجانب الثقافي هو أهم رافد لتطوير منظومة الفكر المجتمعي، والذي من خلاله يتم إيصال رسائل الأفكار التنموية والإيحاء بالمفاهيم المراد تحقيقها للنمو الوطني دون أن تحتاج الدولة للدخول في نزاعات فكرية مع فئة ليست بالقليلة من المجتمع يخشون المساس بقواعدهم الفكرية التي يظنون أن إحلال ما يوازيها من أفكار ورؤى يخل بالأصول العقائدية التي آمنت بها كل هذه الأمة المحمدية. وليس أدل على ذلك من تلك الخطابات المنبرية والتويترية التي ملأت المجتمع صخباً قبل أن تعلن الرؤية، وذلك في مواجهة استباقية لما كانوا يتوقعون حدوثه.
إن تحقيق مفهوم المواطنة الشاملة يستلزم خلق مجتمع مثقف واع ومدرك، يقوم أفراده بتضييق الخناق على مسائل الخلاف والاختلاف بين أفراده، إنه مجتمع يمنح لكل فرد كافة الحريات الاجتماعية والفكرية لممارسة طقوسه وطرح أفكاره دون استنقاص من أحد أو اعتراض، لكن هذا المجتمع الذي نود خلقه لابد من محاكاة أفكاره بمزيد من الملتقيات الثقافية التي تناقش كل القضايا الفكرية والاجتماعية الحساسة بمزيد من الشفافية وبعيداً عن النخبوية، لتبصير عامة الناس بأهمية الاختلاف في تحقيق شعار الوسطية الذي يتماشى مع الفكر التنموي الذي يقوده عراب التغيير صاحب السمو الملكي ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله.
حيث هدفت الرؤية السعودية 2030 التي أُعلن عنها يوم الاثنين الماضي الموافق 25 إبريل وأقرها مجلس الوزراء إلى دعم الثقافة والترفيه من خلال إطلاق البرنامج الوطني داعم، وهذا ما يؤكد على أهمية الثقافة وتوسيع المدارك الفكرية في تحقيق الأهداف المرجوة من برنامج التحول الوطني والوصول لأبعد مدى في رؤية المملكة العربية السعودية 2030 دون عوائق تعيق طريقها وتقف بوجه التنمية الشاملة.
تلك الرؤية الحكيمة تحمل المؤسسات الثقافية بكافة أشكالها مسؤولية عظيمة، تستلزم الاتحاد والتعاون فيما بينها لصياغة العقل السعودي المثقف والمدرك والواعي، ويشاركها في ذلك التحدي الإعلام من مقام الوزارة إلى كافة أنواع الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، فصناعة الثقافة وتغذية الفكر بها أصعب من نزع الأفكار، لأن العقل بطبيعته يتقبل الأسبق إليه، والمسؤولية الثقافية التي ستتحملها المؤسسات الثقافية والملتقيات والإعلام لا تشمل توعية هذا الجيل فحسب ونشر الثقافة التنموية الوطنية والرؤية الجديدة بينهم فحسب، بل من المفترض أن تهدف إلى إحلال جيل جديد من الشباب والنشء ليكونوا قادة المستقبل بأفكار تقتلع الأفكار القديمة التي عطلت عجلة التنمية لسنوات طويلة عن الدوران من جذورها. وهذا ما يستدعي تعزيز ثقافة المسرح والفنون المختلفة والقراءة، وفسح المزيد من الكتب لضخها لرفوف المكتبات السعودية، ورفوف المدارس، والتنويع في الطرح الثقافي بعيداً عن نمذجة الطرح التي تقتل فكرة الاختلاف في العقول، مما يصعب تقبلها لاحقاً والتكيف مع المختلفين. وقد رأينا في معرض الكتاب الأخير الإقبال الشديد من الشبان والشابات على الكتب. مما يوحي بجيل قارئ يتسع عقله لمئات الآراء دون تقييد أو تحجيم.
- عادل الدوسري
AaaAm26@