الأسرة هي الجزء النووي من المجتمع، و هي أحد مكونات المجتمع باعتبارها الحاضن الأول للفرد، و بما أن الحداثة متمثلةً بالفردانية قد أثرت بشكل كبير جدًا على الارتباط بين الأسرة و الفرد و المجتمع فإن مسلسل breaking bad -الذي يمثل في نظري نقدًا لأدبيات الحداثة – جاء ليعزز مكانة الأسرة لا عند الإنسان الطبيعي فحسب، بل عند رجل المخدرات الذي ينتجها و يبيعها، فالمسلسل الذي جاء في ما يقارب الخمسين حلقة، و حصل على تقييم 9.5 من 10 في التقييم العالمي imdb وهو تقييم يعتبر عاليا جدًا بالنسبة لهذا الموقع العالمي، تتمركز فكرته حول التضحية لأجل الأسرة، و ما تفعله الأسرة من سوء في أفرادها حتى يتحولوا إلى متعاطين للمخدر أو منتجين له، و تمظهر هذا التمركز مع الشخصية الرئيسة في المسلسل شخصية (والتر وايت) الذي يضحي بذاته ونصبه لأجل أن يجمع الثروة لعائلته قبل إعلان موته بسبب مرضه بالسرطان،
وأيضًا ما فعلته أسرة الشاب المراهق (جاسي) الذي انحرف انحرافًا تامًا بعدما طردته أسرته و تخلت عنه، و ما يفعله تاجر المخدرات الأكبر من محاولة الانتقام لأخيه الذي قتله التاجر الآخر.
إنه تمركز واضح جدًا حول العائلة و النواة الصغرى للمجتمع، وهي محاولة لملمة ما شتتته الحداثة بإعلان (السوبرمان) كما عند نيتشه، و الوجودية كما عند سارتر، و بذا فقد حصل هذا المسلسل على نسبة عليا من النقد جعلته يدخل موسوعة غينيس كأكبر عدد من النقودات تطال مسلسلًا سينمائًيا. و قد استطاع مخرجه أن يبدع فنية الحبكة و مفاجأة المشاهد حتى آخر لحظة من المسلسل، إنه يطبق المثل الإنجليزي (expected the unexpected) توقع اللا متوقع بتخييب ظن المشاهد
و مخاتلته، و نجح نجاحًا باهرًا على مستويي العمل الفني و التفلسف الذي قام عليه هذا المسلسل.
و لعلي في هذا المقال لا أهتم كثيرًا بالسرد القصصي لما بثه المسلسل بقدر ما يهمني نقد المسلسل من المنحى الفلسفي الذي اعتمد عليه كاتب النص و المخرج، و هي مركزيته حول الأسرة حتى بعدما طردت هذه النواة الصغيرة ربّها الذي ضحى لأجلها و تبرأت منه فإنه لم يستسلم لهذا الجفاء منهم بل مكّن لهم وصول جميع الملايين التي حصل عليها بطريقة عبقرية و مثالية تُبعد عنهم شبهة الحصول عليها من الأب المجرم في نظر الحكومة.
لم تتضرر الأسرة في تاريخ البشرية كما تضررت في مرحلة الحداثة، و هذا لا يعني أن الأسرة كانت في أوج مكانتها تاريخيًا
وذلك لتسلط الأب/ الذكوري عليها وتسلط المجتمع الذي هو المرجع الأساس لهذه الأسرة إلا أن الحداثة أحدثت رد فعلٍ مساوية في المقدار لذاك التسلط بسحب مكانة الأسرة كحاضن أولي للفرد الذي سيصبح فيما بعد مكونًا لنواةٍ أخرى فيها.
صالح بن سالم - محاضر بجامعة سطام بن عبدالعزيز