أثار إمام المتقشفين (سلطان البازعي) حفيظة المسرحيين على امتداد رقعة الوطن من خلال سجاله مع إمام الساخرين ((محمد السحيمي)) حيث لم يكن ما دار سجالاً شخصياً بحتاً، بل جاء حديث البازعي الموجه للسحيمي اتهامياً ومليئاً بالعبارات المسيئة ليس لشخص السحيمي، بل لعموم المهتمين بالمسرح والمشتغلين به.
لذا لا غرابة أن تحوَّل السجال الفردي بينهما إلى غضب عام طال المسرحيين - ورأينا كيف أن المسرحي جداً ((سامي الزهراني)) كتب منشوراً على حائطه بالفيس بوك عنونه بـ((شعور بالغربة)) بكل ما يحمله هذا العنوان من حمولات ظاهرة وباطنة، ويتضمن ذلك المنشور والكومونتات اعتراضاً شديداً وصارخا ضد ((البازعي)) خصوصاً فيما يتعلق بوصفه للمسرحيين بأنهم منكفئون على أنفسهم، وأنهم لا يستطيعون أن يعبروا بالمسرح إلى الجمهور، وأنهم أنانيون ويريدون فقط الاهتمام بالمسرح دون النظر إلى باقي الفنون.
وهذا الخطاب كان في مجمله مفتقراً للدقة والعلمية رغم كونه صادراً عن مسؤول.
وظهر على منشور سامي ردود فعل غاضبة من طرح البازعي معظمها تؤكد أن المسرحيين لم يحظوا من الجمعية بأي دعم من أي نوع.
هنا كمسرحي يربطه بالقبلية - قبيلة المسرح - عصب متين وبنية الوعي لدي معجونة بالمسرح كوني ابناً له، أؤكد أن ما ولّد انفجاراتنا ضد طرح الرئيس القدير هناك في حائط القدير سامي الزهراني وقبله تجاه القمعية من السحيمي كما يصفه الرئيس نفسه، ثم الرفض الشديد لما طرحه ((إمام المتقشفين)) ظهر كطرح عنيف لكنه يجب أن لا يكون محل استغراب (البازعي) فهو لا يجهل أن المسرح نفسه علم الأمة المسرحية (أنَّ الفعل المسرحي هو فعلٌ عنيفٌ في جذوره).
ولكن، وإن كان يجوز لنا هنا أن نأخذ مواقف معلنة ضدَّ الجمعية ونشاطاتها الداعمة للمسرح نراها مبررة لإعلان رفضنا لدورها المتواضع - لكننا سنتجاوز هذا الأمر إلى منحى الحوار الذي يفترض أن يكون محل ترحيب الرئيس، وهنا سنتجه نحو إثارة أسئلة الوعي، وحقّ لنا أن نسأل استناداً إلى حقيقة مفادها (أن مهمة الفنان تحريك الوعي، كما يعي الأستاذ البازعي).
بعيداً عن المسرح وانطلاقاً من شمولية الثقافة والفنون ودورها المنتظر هل حرَّكت جمعيته ونشاطاتها الوعيَ الجمعي في بلدنا؟؟!!، أعني هنا (وعيَ الضعف، وعيَ القوَّة، وعي القسوة، اللين، السلام، الحب، الشفقة، الفروسية، النبالة).
وهل كانت مؤهلة بما قدمته للاضطلاع بدور إيقاظ الخيال والإحساس الجمعي؟؟،
خصوصاً أنَّ شرعية الفعل الفني والثقافي ليست «وظيفة» رسمية، بل هي كما قال كافكا ذات لحظة: (إنَّه تكليف لم يكلفني به أحد).
هل نجحت جمعيته في تحقيق تلك المعاني العليا؟؟
وهل أسست لها على أقل تقدير؟؟؟
هل الأستاذ سلطان البازعي وهو يناقش المسرحيين كان يعيش في طقس الهيمنة، ويريد أن يهيمن على اللحظة الفيزيائية التي يعيشها لمصلحة اللحظة الروحية في زمن متغير؟؟!!!
هل تناسى أن المسرحيين هم أبناء الخشبة ((خشبة المسرح))، حيث للكلام - الحوار عند المسرحيين رهبة ولا حوار في قاموسهم سوى ذلك الذي يُبهر الناس.
هل نسي أنه رغم أنهم أمَّةٌ (سميعة)، إلا أن المسرح حوَّلهم إلى أمَّة (بصيرة)، فصاروا يدفعون هاتين الحاستين السمعُ والبصر للذهاب إلى المعرفة، الحقيقة،؟؟
عندما يقارن بين الفنون..
هل تجاهل أن المسرح صار القاعدة التي يمكن أن تقوم بتكثيف، وإلقاء الأفكار والبرهنة عليها فوقه ليشهد السمعُ والبصر مع شديد الاحترام لكل الفنون التي لا تجد غضاضة في أبوة المسرح لها بعكس الرئيس الذي يمارس دوراً غريباً بالمؤاخاة بين الأب وأبنائه، وليته فعل لكنه ذهب لأبعد من هذا بإقصاء المهتمين به من الاهتمام الشخصي.
الأستاذ البازعي تغاضى عن حقيقة وعاها المسرحيون عبر المسرح نفسه وعبر شخصية ((بونتيلا)) بريخت حيث ازدواجية «بونتيلا» وهو يحارب باللغة كضرورة درامية - نفسية، لعبية.. لأنَّها تقوية لقوَّة الأقوياء خصوصاً أنَّه صاحب الأملاك الكثيرة.
ومثله لا يجهل أن ثمَّة (بونتيلا) المالك الرجل اليقظ، وثمَّة (بونتيلا) الآخر.
ومثله قادر على أن يحقِّق شرطه الوجودي بين كلا الرجلين - القوَّتين.
نحسب سعادته (بونتيلا الحصيف) الذي عندما يقع في فخ السؤال نجده يناور في جدلٍ كلامي حواري مسرحي حياتي مثير وواقعي تسنده المعايير والشواهد الحية من دون اللجوء إلى السيف.
المسرحيون دوماً يؤملون أن يرون (بونتيلا من دون سيف) ومن دون أي استحضار يُلغي فعالية الجواب، فعالية الصراع ورقعيته المكانية، سواء على خشبة المسرح أو على خشبة الحياة.
وهو ما لم يروه فيما مضى من عمر القمعية الفارط يا سعادة الرئيس.
والمسرحيون - وأنا أقلهم عطاءً مسرحياً - شهود الله في راهننا المسرحي.
وهم يشهدون معي بأن سيوف التقشف والتهميش والتجاهل مسلطة باتجاه المسرح والقبيلة المسرحية، فكيف لا يغضبون من واقع كهذا؟!!!
- ناصر بن محمد العُمري