هونج كونج - «الجزيزة»:
حققت الصين قفزات هائلة في مجالات التنمية على مدى العقود القليلة الماضية، وتحقق لها من ذلك ثروات هائلة بدأت بدورها تسهم في دفع الصين قدماً لتصير واحدة من الدول ذات المكانة الرفيعة في العديد من المجالات والميادين، ومن بينها مجال البحث العلمي.
منذ خمس سنوات كان متوسط دخل الباحث العلمي في الصين يصل إلى40 ألف دولار أمريكي في العام، أو تقريباً نصف الدخل الذي يحصل عليه نظيره في الولايات المتحدة، وذلك حسب مؤشرات وإحصائيات الدورية العلمية الدولية المرموقة (نيتشر) ولكن بفضل تخصيص الصين لميزانيات هائلة لتطوير وتنمية مجالات البحث العلمي والتي وصلت بحسب الحكومة الصينية إلى 1.2 تريليون يوان صيني العام الماضي، فقد صار العلماء والباحثون الصينيون يتلقون أجوراً أعلى ويتمتعون بامتيازات أكثر، هذا بدوره يشجع الكثير منهم على البقاء داخل الصين بدلاً من الهجرة إلى أوروبا أو الولايات المتحدة.
وأظهر استبيان أجراه مؤخراً أحد المراكز التابعة لوزارة العلوم والتقنية الصينية أن متوسط راتب الأستاذ الجامعي العائد من الخارج إلى الصين يصل حالياً إلى حوالي 800 ألف يوان صيني سنوياً أي ما يزيد عن 120 ألف دولار أمريكي.
وأدى النمو الاقتصادي الصيني على مدى السنوات الماضية إلى ظهور طبقة جدية من الأثرياء الصينيين الذين يتزايدون عاماً بعد عام بالإضافة إلى ما حققته عدد من الشركات الصينية من نمو هائل، وصارت تلك الشركات بدورها تسهم بشكل ملحوظ في وضع الصين على الخارطة بوصفها واحدة من أكثر الدول استثماراً في مجال البحث العلمي ومن أكثر الكيانات الاقتصادية اهتماماً بمختلف جوابن التطوير والابتكار التقني.
ويبدو هذا واضحاً عند متابعة الإصدارات والمنشورات العلمية التي تسهم بها الصين محلياً ودولياً، فهناك حالياً عدد من الدوريات العلمية الدولية العريقة التي تتلقى إسهامات متزايدة من جانب العلماء والباحثين الصينيين في مختلف المجالات.
فحسب مؤشر مجلة نيتشر لعام 2016 والذي تم نشره الأسبوع الماضي، جاءت الصين في المرتبة الثانية دولياً من حيث عدد الإسهامات العلمية الرفيعة المنشورة في الدوريات العلمية المرموقة، وهي في ذلك تأتي بعد الولايات المتحدة مباشرة، ومن بين الدول العشرة الأولى في القائمة تنفرد الصين بكونها الدولة الوحيدة التي ضاعفت حجم أبحاثها العلمية ما بين عامي 2012 و2015، مع ارتفاع حجم إسهامات بعض الجامعات الصينية بنسبة تصل إلى 25% سنوياً، فضلاً عن ذلك هناك مؤشرات أخرى تدل دلالة واضحة على الخطوات الجبارة التي قطعتها الصين على طريق التقدم في مجال البحوث والعلوم، ويأتي على رأس تلك المؤشرات فوز العالمة الصينية (يويو تو) بجائزة نوبل في الطب عام 2015 وهي اختصاصية بأكاديمية الطب الصيني ببكين، ونالت الجائزة عن اكتشافها للمادة الفعالة التي أثبتت كفاءة عالية في علاج حالات الملاريا الحادة، مقدمة بذلك إحدى الخدمات الجليلة للبشرية، وتعد هذ العالمة أول سيدة صينية تحصل على جائزة نوبل، كما أن تلك هي المرة الأولى التي تحصل فيها الصين على جائزة نوبل في مجال العلوم.
إلا أن هناك عدداً من التحديات التي لا تزال تواجه تنمية مجالات البحث العلمي في الصين ومن بين تلك التحديات فجوة الأجور التي لا تزال موجودة بين العلماء، حيث لا تزال الأجور التي تخصص للعلماء الصينيين العائدين من الخارج أعلى بكثير بالمقارنة مع أجور العلماء المحليين الذين لا يتكئون على خبرات دولية، من ناحية أخرى لا يزال عدد من العلماء الصينيين الذين يعملون في جامعات ومراكز أبحاث غربية يفضلون البقاء في أماكنهم ظناً منهم أن ظروف وإمكانات البحث العلمي أفضل في البلدان التي يعملون بها، لكن هذا كله قد يتغير في المستقبل القريب.
فقد بات واضحاً لمختلف صناع القرار في الصين حجم العوائد الهائلة التي يمكن كسبها من خلال الاستثمار في مجالات التعليم والبحث العلمي، هذا بالإضافة إلى أن الصين في حاجة ماسة لتطوير التقنيات وتعزيز الابتكار لمواصلة التقدم على طريق التنمية. ولذلك فمن المتوقع أن تشهد السنوات القليلة المقبلة خطوات وثابة لتعزيز وتطوير بيئة البحث العلمي على مختلف المستويات، وهذا بدوره سيسهم في جذب المزيد من الكفاءات والخبرات العلمية للعمل داخل الصين.