إنه لأمر لافت أن نجد الدولة الأولى عالميا في الاقتصاد والعلوم والفنون تمارس السياسة بطريقة سيئة للغاية.
حوالي 318 مليون ناخب أمريكي، بينهم أبرز المبدعين والموهوبين في العالم، يجدون أنفسهم مضطرين بحكم الواجب الانتخابي إلى اللجوء لخيارات سيئة عندما يحل موعد انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد.
ورغم هذا العدد الضخم للمواهب والشخصيات المميزة الموجودة في المجتمع الأمريكي، فإن النظام السياسي الأمريكي يحصر نطاق سباق الرئاسة الحالي على كائنين بشريين سيئين للغاية لا يستحق أي منهما أن يقترب مجرد الاقتراب من البيت الأبيض.
من ناحية لدينا المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون غير الملهمة التي يمكن أن تؤدي سياساتها إلى تدمير ما تبقى من تميز للولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى لدينا المرشح الجمهوري دونالد ترامب الديماجوجي المتخصص في بث الكراهية والتهديد بإشعال الحروب التجارية.
هذا الاختيار البائس أمام الأمريكيين يأتي في أسوأ وقت ممكن بالنسبة للولايات المتحدة: فالدولة منقسمة بشدة حول «الحلم الأمريكي» وانحسار الدستور الأمريكي، وأصبح الكثيرون منهم لا يرون شيئا أفضل من النأي بأنفسهم عن العالم. في الوقت نفسه فإن خطر الإرهاب مازال عند اعلى مستوياته.
الحقيقة أنه لا الرئيس السابق جورج بوش ولا الرئيس الحالي باراك أوباما تعامل بشكل جاد مع الخطر الحقيقي الذي يهدد نمط الحياة الأمريكي. فمنذ الحرب العالمية الثانية اعتاد العمال الأمريكيون العاديون الحصول على زيادة سنوية حقيقية في الأجور أغلب تلك السنوات، كما اعتادوا على وفرة السلع المتاحة لهم وكذلك الوظائف ذات الأجر المجزي دون الحصول على مستوى مرتفع من التعليم.
في اللحظة الراهنة فإنه على الأقل وفقا لاستطلاعات الرأي، ستتمكن كلينتون من هزيمة ترامب بسهولة. فالحقائق السكانية (الديموجرافية) بالنسبة للمجتمع الأمريكي تقف ضده، فمن شبه المستحيل أن يفوز مرشح جمهوري في انتخابات الرئاسة بدون أصوات الأمريكيين من أصل لاتيني (الهيسبانك)، في حين أنه أغضبهم بتصريحاته المثيرة المريضة. ولكن سيكون من الجنون التقليل من شأن ترامب، فمع فوزه بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات، بدأ يخفف لهجته لتصبح أكثر اعتدالا كما بدأ يستعين بمستشارين أكثر كفاءة. وسوف ينحاز إليه الناخبون ذوو الجذور الجمهورية تدريجيا، كما أنه بلا شك سيتخلى عن بعض من أشد سياساته عداء وإثارة للاضطراب، مثل اقتراحه حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. كما أنه سيتجه إلى استقطاب أصوات الوسط ومما لا شك فيه أنه سيحقق بعض النجاح. ترامب، المستعد لقول أي شيء لكي يفوز بترشيح الحزب الجمهوري ليس لديه مشكلة مع النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي ساعده في تكوين ثروته الطائلة، وهو غير ملتزم به من حيث المبدأ.
في الوقت نفسه فإن دعوته إلى تبني سياسات حمائية على الصعيد التجاري مع معارضته للهجرة إلى الولايات المتحدة ومعارضته للشركات غير معروفة الهوية يمكن أن تجعله مرشحا مناسبا للحصول على مزيد من أصوات ناخبي الطبقة الوسطى.
أيضا سياسته الخارجية يمكن أن تجد دعما من الطبقة الوسطى الأمريكية، بما في ذلك الكثيرين من الطبقة العاملة المؤيدين للحزب الديمقراطي تقليديا. وهذه السياسة ستقدم نوعا مختلفا من الانعزالية (تقليل التعامل مع مشكلات العالم) التي أطلقها الرئيس الحالي أوباما، لكن النتيجة ستكون واحدة. فحتى إذا تراجع عن حربه التجارية المقررة ضد الصين وعن أسوأ أفكاره الأخرى بعد وصوله إلى الرئاسة، فإن أكبر أزمات العالم ستزداد خطورة في ظل رئاسة ترامب.
أما إذا عادت هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض مرة أخرى بعد أن أمضت سنوات فيه كسيدة أولى ، فقد يتصور الكثيرون من الجمهوريين أنها يمكن أن تتبنى حلولا وسط مقبولة فيما يتعلق بالسياسة. ولكن الحقيقة تقول إنها ستكون أسوأ كثيرا من زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون.
أنا أحب أمريكا باعتبارها دولة ذات خصوصية كبيرة. لكنني سعيد لأنني لست مواطنا أمريكيا وبالتالي لن أكون مضطرا للمفاضلة بين مرشحين بالغي السوء في انتخابات الرئاسة المقررة يوم 8 نوفمبر المقبل. لن تسفر هذه الانتخابات عن نتيجة جيدة، لذلك فإن الوقت قد حان بالنسبة للعالم وكذلك بالنسبة لأمريكا لكي يبدآ الاستعداد لمواجهة أربع سنوات من المعاناة.
- أليستر هيث