«الجزيرة» - زهوة الجويسر:
يبدو أن نجاح بعض فئات النساء في عملهن وإثباتهن الجدية والتفوق والنبوغ لم يشفع لهن لدى الذكور حتى يرفعونهن من قائمة حظر الزواج، فما زال الرجل السعودي حتى الآن يتجنب الزواج من الطبيبة أو حتى الصحفية بحجة «اختلاط» مجال عملها. ولا يغني عن كثير من السعوديات في هذه الحالة نجاح الكثير منهن ووصولهن لمناصب قيادية ومنحهن ثقة لتولي الكثير من المهام، فحتى الآن ما زالت نظرة المجتمع تحجم بعضهن أو تحرمهن من أبسط حقوقهن.
تقول صحفية سعودية فضّلت عدم ذكر اسمها: «لا أرى الإعلاميات عوانس، بل هن عازبات، وأجد الأفراد الذين يرفضون الزواج بإعلاميات أو طبيبات أو أي امرأة عاملة هم أشخاص تناسبهم مواصفات امرأة تختلف عن النساء الناجحات ولا أجده عيباً في بعض الرجال فهي مسألة عرض وطلب وتناسب بين طرفين، وبينت أن من يعيب تلك الناس فالعيب يقبع في رأسه لا فيهن».
وأشارت إلى أن أغلب الإعلاميات السعوديات متزوجات قبل أو بعد الإعلام، ومن خلال مشوارها الصحفي لم تجد أن هناك إعلاميات يعانين من العنوسة لكنها تجد أن الإعلاميات اخترن طريقهن في الحياة بدون زواج ولم يفرض عليهن ذلك.
فيما قال صحفي شاب فضّل عدم ذكر اسمه عند سؤالنا له عن أسباب عزوف الرجال الزواج من المرأة العاملة: «هذا السؤال يلامس جراحي لأنه وقع في أسر العادات والتقاليد التي منعت زواجي من طبيبة بحجة عملها المختلط بالرجال رغم اتفاقنا وتوافقنا وتفهم كلينا لطبيعة عمل الآخر, تعاهدنا بأن نمد جسور الثقة فوق أرض الغيرة الحارقة لكن العادات كانت أعلى من أمانينا فحالت بيني وبينها».
وأشار إلى أن العمل ليس سبباً في العنوسة لكنها ذهنية المجتمع الذي يرى الأنثى لا تعيش إلا تحت (ذله) وليس ظله, مجتمع أوهم بأن العمل سبب من أسباب العنوسة لكي يحرم المرأة من حقها في الحياة, حزين لمن تنطلي عليه هذه الأسباب ومن يصدقها»
رفض الزواج
وذكرت الخاطبة أم طلال من الرياض أنها رصدت كثيراً من الحالات التي يرفض فيها الشبان الزواج من فتيات عاملات في أماكن عامة تقتضي اختلاطهن بالرجال, وقالت: لاحظت أن كثيراً من الشبان لا يزالون متمسكين برفضهم لعمل المرأة, حيث يمتنعون عن إتمام الزواج بمجرد إخباري لهم أن الفتاة تعمل في مؤسسة خاصة أو في أي عمل يستدعي اختلاطها بالرجال, وبعضهم قد يكون على مستوى من التعليم والثقافة إلا أنه يرفض. وأضافت: «أغلب الشبان الذين يتقدمون بواسطتي يفضّلون المرأة العاملة في قطاع التدريس, أو في أي قطاع نسائي».
ولفتت أم طلال خلال حديثها إلى أن أغلب المتقدمين للزواج يطلبون منذ البداية عدم البحث عن ممرضات وطبيبات تحديداً, معتبرة أن تلك القناعات لدى الشباب سبب مباشر في كون الممرضات والطبيبات يمثّلن الشريحة الأكبر من غير المتزوجات.
عزوف الخاطبين
تقول الموظفة نورة أحمد العاملة في إحدى مؤسسات القطاع الخاص «تقدم كثيرون لخطبتي, إلا أنهم عندما يعرفون طبيعة عملي يعزفون عن الارتباط بِي، لكون عملي يستدعي تعاملي مع الرجال, دون أن يدركوا أن تعاملي معهم في حدود متطلبات العمل».
وتضيف «أغلب الرجال الشرقيين والسعوديين على وجه الخصوص لا يزالون يرفضون تقبل هذا النوع من العمل».
أما أم بندر فاعتبرت أن مسارعة النساء إلى الوظائف النسائية المستحدثة, مثل البيع في محلات اللانجري ومستحضرات التجميل، يعد تضحية منهن بأمور حياتية أكثر أهمية الأمر الذي حدَّ من فرص زواجهن ومنع الخاطبين من التقدم إليهن.
وأضاف أبو خالد أنه لا يمانع في عمل المرأة, إلا أنه لا يتقبل أمر اختلاطها بالرجال. يقول: «لا أستطيع كتم غيرتي مقابل سعادتي بتوظيف زوجتي أو إحدى قريباتي, بل يحزنني كثيراً أن تعمل المرأة في مكان مختلط بالرجال» معتبراً ذلك مدعاة لتعرضها إلى أنواع من المضايقات, بحسب وصفه.
وبيّن فيصل الغامدي أن كثيراً من الشبان يحرصون على أن تكون شريكة حياتهم موظفة تعينهم على ظروف المعيشة الصعبة, خصوصاً مع تدني الرواتب, وقال» عن نفسي لا أسمح أن تعمل زوجتي في مكان تتعامل فيه مع الرجال بشكل مباشر».
أحلام الجهني موظفة في إحدى شركات القطاع الخاص قالت «يرفض الشبان التقدّم إلى خطبة فتيات عاملات في المؤسسات والشركات الخاصة والمحلات التجارية, بحجة تمسكهم بالعادات والتقاليد ورفضهم أن تكون زوجاتهم عاملات أو بائعات في أماكن تقتضي تعاملهن مع الرجال.
سبب العزوف
في المقابل تعترف مها الشمري - طبيبة سعودية بأن السبب الرئيسي في عزوف الرجال عن الارتباط بالطبيبة أو الممرضة هو اختلاطها بالمرضى ومتابعة حالتهم الصحية وتقول: «هناك رجال للأسف يعتبرون أن مهنة الطب مشابهة لعمل الخادمة وهذا الكلام غير صحيح، لأن مهنة الطب رسالة سامية ومهمة عظيمة تفتخر بها أي إنسانة تحمل قيم ومبادئ هذه المهنة».
وأفادت الشمري أن ظاهرة العنوسة في الطبيبات والممرضات انتشرت وأصبحت واضحة للجميع، لذلك يجب إيجاد الحلول المناسبة للقضاء عليها وذلك من خلال دعم الممرضات والطبيبات في المجتمع ونقل الصورة الحقيقية لهذه المهنة.
بينما أكد مدير مركز التنمية البشرية الدكتور عبد الله السلمان «أن هذا الموضوع بحاجه إلى قراءة ودراسة على مستوى هذه العينات يصعب على الإنسان أن يحكم بشكل شخصي لأنه قد يوجد حاله أو حالتين أو فئة معينة».
وبيَّن أن سبب عزوف الرجال السعوديين عن الطبيبات أو الممرضات أو الصحفيات «قد يكون عدم وجود استقرار الوقت المحدد لعمل الزوجة لأن المرأة تعتبر المحور الأساسي لاستقرار الأسرة ويرجع إلى النظرة التقليدية إلى عمل التطبيب والتمريض، فضلاً عن تصور بعض الأزواج أن مهنة التطبيب تفسد مزاج مزاولتها، وأن معايشتها للأمراض تُغيِّب في نفس الطبيبة روح الرومانسية، وأن الممرضة بحكم عملها تكسب حنانها لمرضاها فيصيبها الجفاف إذا انتهى دوامها، وأيضاً طول ساعات العمل مؤثّرة في هذا العزوف بلا ريب».