المدينة المنورة - مروان قصاص:
باتت قضية استقدام العمالة المنزلية وخاصة العاملات المنزليات، مشكلة تؤرق المجتمع منذ أكثر من عامين، وأصاب شح العاملات المنزليات البيوت السعودية بربكة خاصة وشهر رمضان المعظم على الأبواب، حيث تحتاج معظم البيوت إلى تلك الأيدي العمالة، مما جعل ذلك حديث مجالس المجتمع، بسبب فقدان الثقة من دول مصدرة للعمالة في شركات ومكاتب الاستقدام السعودية، مقارنة بمثيلاتها الخليجية لأسباب نجهلها وربما منها بعض الجهات الغير حكومية والتي أفسدت سمعة التعاملات بين المواطنين والعاملات لتنشأ هذه الأزمة، حيث يعاني الغالبية من تأخر معاملات استقدام العمالة إلى أكثر من 16 شهرا، بينما يتم الاستقدام في دول الخليج بأسابيع قليلة، كما أن تكلفة الاستقدام في المملكة تزيد بأكثر من 120 في المئة عن دول الخليج..
و هذه الأزمة أتاحت الفرصة لفرض قرصنة بعض الجنسيات التي تقيم في المملكة بطرق غير شرعية، حيث تصل مرتبات بعض العاملات المنزليات إلى 3000 ريال وتجد من يدفع للحاجة وأيضا يغامرون بتجاوز التحذيرات وما سيتم إيقاعه من غرامات وجزاءات على من يقوم بتشغيل مثل هؤلاء العاملات.
ولأهمية هذه القضية وما تشكله من مساس بالمواطنين بكافة شرائحهم تحاول «الجزيرة» من خلال هذا التحقيق مناقشة هذه القضية ومعرفة أبعادها، وقد وجدت خلال جمع التعليقات على هذه القضية نوعا من التفاؤل وانتظار الأمل بعد موافقة مجلس الشورى على استقدام العمالة المنزلية من شركات ومكاتب الاستقدام الخليجية، وهو القرار الذي ينتظره الكثيرون، إذ إنه سيحمل حلا جيدا ومناسبا للحد من تلاعب مكاتب الاستقدام المحلية، التي فقدت مصداقيتها ليس مع المواطنين فحسب، ولكن أيضا مع الدول المصدرة للعمالة..
بداية يقول الأستاذ أسعد القبلي - متقاعد - إننا نثق بما يبذله وزير العمل الدكتور مفرج الحقباني ومنسوبو وزارته من جهود لحل هذه الأزمة التي تتفاقم يوما بعد يوم رغم أن معاليه أكد في تصريح نشر في صحيفة «الجزيرة» بعددها الصادر بتاريخ 19 من شهر رجب الماضي، أن هناك فريقاً من الوزارة يعمل على وضع حلول لمشاكل استقدام العمالة المنزلية ولم نسمع نتائج ايجابية عن هذا الملف رغم مرور أكثر من تسعة أشهر، لمسنا أن معاناة المواطنين قد تضاعفت واستغلال العمالة الغير نظامية يتزايد بطريقة غريبة ومؤسفة.
وقال القبلي، إن الحقباني أكد في تغريده له على حسابه الشخصي في تويتر أن الوزارة تسعى لتجاوز تحديات العمالة المنزلية، ولكننا لا زلنا لا نجد حلولا مناسبة وايجابية.
ويقول المواطن ناصر طرابيشي «تاجر» : «وضع سوق العمالة المنزلية في المملكة، يتعرض منذ فترة ليست بالقصيرة إلى أزمة احسبها مفتعلة في ظل غياب العقوبات الصارمة على مكاتب الاستقدام المحلية، خاصة ما نصت عليه أنظمة وزارة العمل الأخيرة». وتابع يقول: «اعتقد أن ما يسمى باللجنة الوطنية للاستقدام بمجلس الغرف السعودية، أسهمت بافتعال هذه الأزمة ومنع أي وسيلة لإيجاد الحلول اللازمة لتلبية حاجة المواطنين من تلك العمالة في فترات زمنية مقبولة وبتكاليف معقولة».
سند قانوني
واعتبر الأستاذ أحمد البكري «تربوي» عدم وجود نظام واضح للعمال ينظم علاقة العامل برب العمل، أشعر العمالة بعدم وجود سند قانوني يحميهم كما يدعون، وذلك نظرا لعدم وضوح آليات تنظيم العمل، وربما هذا ما جعلهم لا يرغبون في العمل في المملكة، وأيضا بقرارات من دولهم التي ربما صدقت ادعاءات عمالتها وهو ما أدى إلى وقف إرسال العمالة من تلك الدول إلى المملكة.
ولخص الأستاذ غازي بن حمود العوفي - إعلامي - المشكلة بأنها عبارة عن تحديات بين وزارة العمل ومكاتب الاستقدام، مشيرا إلى أن الضحية هو المواطن، ويضيف: «من أسباب المشكلة ضعف الرقابة على مكاتب الاستقدام والذي بدأ منذ سنوات وهو ما أدى إلى تراكمات وصلت إلى طريق مسدود في النقاش بين الجهتين لأن المكاتب تعودت على هامش من البساطة في التعامل مع وزارة العمل، وانتفضت عندما تغيرت سلوكيات الوزارة التي تعودوها، ومما لا يمكن تجاهله، وتابع العوفي قائلا: «أيضا إخفاقات اللجان المكلفة بمهام الاستقدام بمجلس الغرف التجارية السعودية والتي أسهمت في تضخيم المشكلة، أضف إلى ما سبق أن هروب الخادمات زادت الطين بلة وأسهم في تفاقم المشكلة، خاصة وأنه لم يتم وضع آليات صارمة للحد من هذه الظاهرة، خاصة وأن من يحتضن الهاربات هي مواقع معروفة منها قاعات المناسبات وبعض المستشفيات الخاصة».
المكاتب الخليجية
وأكد العوفي، أن السماح بالاستقدام من خلال المكاتب الخليجية التي تقدم خدمات راقية ونظامية تتجاوز مكاتبنا المحلية والتي مع الأسف بات مطلبا سعوديا خاصة بعد إجازته من قبل مجلس الشورى وأضاف: «أملنا أن تسرع الجهات المختصة في تنفيذ القرار لتأديب مكاتب الاستقدام المحلية».
وقال الأستاذ محمود رشوان «كاتب اقتصادي» إن وزارة العمل هي الجهة المعنية بالدرجة الأولى بهذا الملف العتيق وهي المسئولة عن الفشل فيه ولا بد من إيجاد الحل المناسب، واعتقد أن هناك أصوات ترتفع وتتزايد يوما بعد يوم في ظل الإخفاق بإيجاد الحل وتطالب بنقل ملف الاستقدام من وزارة العمل إلى وزارة الخارجية أو الداخلية في ظل الحقائق التي تؤكد سوء حالة العمالة المنزلية بالسعودية وما يتعرض له المواطن والعامل من مصاعب وإشكالات، خاصة وأن وزارة العمل لا زالت تراوح محلها ولا جديد لديها سوى تصريحات إعلامية لا طائل من ورائها ولا بد من وضع حل مناسب ينهي معاناة المواطنين.
وقال المواطن سليمان بن فارس: «ما أراه أن مكاتب الاستقدام المحلية هي أم المشكلة، والغريب أنه بعد أن شددت وزارة العمل من إجراءات الاستقدام وإلزام المكاتب بالأنظمة، وبدلا من أن تواكب هذه الأنظمة نجدها ترفض وتصعد ووضعت لها متحدثا للنيل من وزارة العمل ومن حقوق المواطنين الذين أرهقتهم هذه المكاتب بمواعيدها الكاذبة ورسومها الكبيرة جدا مقارنة بدول الخليج، وكان الواجب من هذه المكاتب أن تصمت وتعيد صياغة أنشطتها وفقا للأنظمة ورحمة بالمواطن، مشيرا إلى أن تصرفاتها تؤكد على أنها لا تشعر بالمسئولية ولا بد من عقابها بالسماح للمواطن بالاستقدام من خلال مكاتب الدول الخليجية حتى تحسن تلك المكاتب من أوضاعها، مطالبا بفتح فروع لمكاتب الاستقدام الخليجية الناجحة في المملكة للتسهيل على المواطن السعودي.
وقال إنه حتى الشركات التي تقول إنها عملاقة دخلت مجال السوق وتوفر العمالة بمرتبات شهرية تفوق الثلاثة آلاف ريال دفعة مقدمة، مشيرا إلى أن ذلك استغلال للمواطن المحتاج.
الطلب أعلى من العرض
من جهته، قال مسؤول بإحدى شركات الاستقدام المحلية، إن ظاهرة تأخر استقدام العمالة المنزلية للمملكة، تحولت إلى مشكلة بل البعض يراها أزمة، خاصة وأن السجلات تؤكد أن حجم الطلب في المملكة أعلى بكثير من العرض، وهذا الواقع المؤسف أصاب الأسر السعودية بإحباط كبير.
وأكد أن مسئولية تفاقم هذه المشكلة لا يتحملها جانب معين لأنها مشكلة جماعية تشترك بها العديد من الجهات، منها حكومية لها بقضايا الاستقدام، وأيضا مرافق أهلية خاصة، وأيضا الكفيل، والأسرة التي تستقدم العمالة، كما أن عدم وضوح الأنظمة وزيادة نمو سوق عشوائية للاستقدام فاقم كذلك من المشكلة.
وأكد أن هذا الواقع والمتشعب أدى إلى تفاقم المشكلة وأنه ليس هناك جهود جادة لحلها رغم أنها قضية تهم شريحة كبيرة من أفراد المجتمع الذين اضطروا إلى تجاوز الأنظمة وتشغيل العمالة غير النظامية.