د. حسن بن فهد الهويمل
فَجَعَ المعارفَ فاجعٌ بفراق مِثلك أيها الإنسان.
وكيف لا يؤَبِّنك مثلي ببعض أفضالك، وقد قضينا معاً أجمل الأيام، وأمتعها، وأكثرها بهجة وحبوراً.
فإليك الدعوات الصادقات من زميل، وصديق عرَفك منذ صدوركتاب [شعراء نجد المعاصرون] قبل خمسة عقود، ولم يظفر بلقائك إلا بعد أن استقر بك المقامُ، وأخذت موقعك المُشَرِّف في [جامعة الملك سعود]، تُحَاضر، وتُؤلِّف، وتشرف، وتُناقش، وتُبدع القصائد. وتُعيد صياغة التاريخ الحديث لـ[المملكة العربية السعودية].
وكنت قبل هذا وبعده الشاعر المتَولِّه إلى مراتع صباك، والمتألم من أوضاع أمتك، والمتسلي باللهو البريء، والغزل العذري.
لست وحدي من يتلهف إلى مجالس تَعْمُرها أيها العزيز بفيوض معارفك، وجميل محفوظك، وشَيِّق حكاياتك، حين نكون معاً داخل الوطن، أو حين نكون خارجه، نمثله في لقاء، أو مؤتمر، أو معرض كتاب.
ولست وحدي من يؤلمه ما سيتركه رحيلك من فراغ في مشاهدنا الثقافية، فضلاً عن جلساتنا الأخوية.
فأنت أنيس المجالس بعلمك، وأدبك، ولطائف تجاربك، في أزقة مدينتك، وفي ربوع [أوروبا].
لقد وسِعْتَ العلماء بغزير علمك، واستوعبت الحكماء بحصيف تجاربك، وجاريت الشعراء بتعدد مواهبك.
ومن جعلك من معارفه لا يَلْبَث أن يجعلك من أصدقائه، لأنه يكتشف فيك جليساً صالحاً، تتوفر في مجلسه متعةُ الحديث، وفائدة القول، وعفة اللسان.
وحين اتسعت مساحات اللقاء معك في عملك المسدد في [جائزة الملك فيصل العالمية] اكتشفت فِيك إدارياً محنكاً، متفوقاً في صناعة الأصدقاء، والمعجبين، ووجدتك واحداً من أبرز مهندسي تألق الجائزة، حتى لقد كانت بصماتك فيها كالنقش على الحجر.
والجلسات القَصيرة التي جمعتنا معاً بأمير الأدباء، وشاعر الأمراء، في ربوع [أبها] البهيَّة، الأمير المتألق [خالد الفيصل بن عبد العزيز] أثبتت أن الأمير منحك من الثقة والدعم، ما مكنك من قيادة هذه المنشأة العالمية بمهارة، واحترافية عالية الإتقان.
وحُبُّك لها جعلك تغالب المرض، وتتحامل على نفسك بصبر جميل. وكنتُ كغيري نغبطك على احتمال الأذى، واحتساب الأجر، ومواصلة العمل.
وفي آخر حفلات الجائزة التي أدرتها جالساً، ينتهب أنفاسه، شَعر الجميع بالحزن، وأشفقوا عليك، على الرغم من أنك تمارس عملك بجلد الكبار، وصبر المحتسبين.
لقد حزِنَّا على فراقك، واليقين أننا خُلِقنا للحياة، وللممات، وكل صرخة وضع، تعقبها أنَّة نزع:
[كل حَيٍّ عَلَى المَنيَّةِ غَادِي ... تَتَوالَى الرِّكابُ والموتُ حادي]
والسعيد من غاب جسداً، وبقي ذكراً حميداً. وفقيدنا بما ترك من مآثر: حسيّةٍ، ومعنوية. يظل بيننا بذكره الجميل، وعلمه الذي يُنتَفَغع به، وأبنائه البررة الذين يدعون له، فأعمار الكرام مباركات، يلدن كل جميل.
فلك الذكر المعطر، حيَّاً، وبعد الممات.
[فَاْلحَقِ الْيَوْمَ بِالكِرَامِ كَرِيْماً
وَالْقَهُمْ بَيْنَ جَنَّةٍ وَ خُلُودِ
وتَقَبَّلْ وَدَاعَ بَاكٍ عَلَى فَقْـ
دِكَ وَافٍ لَعَهْدِكَ الْمَحْمُودِ]